هل يشعر الأمريكان بالحنين إلى أوطانهم الأم؟

فى واشنطن عشرات الجنسيات، قابلتهم أثناء وجودى ضمن الوفد الصحفى الذى رافق السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، أثناء زيارته الأسبوع الماضى للبيت الأبيض ولقائه الناجح مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وبعيدًا عن هذه الزيارة الناجحة فقد كنت دائمًا أسأل نفسى هل يشعر الأمريكى المنتمى لوطن آخر فى جذوره بالحنين للعودة لموطنه الأصلى، واكتشفت العديد من الإجابات على أسئلتى فى البحث الرائع للدكتور محمد احند النابلسى والذى كشف حقيقة التشريح النفسى للأمريكى، حيث يقدم وثيقة نفسية يشرح فيها سيكولوجية الشخصية الأمريكية، وكيف يحن الأمريكى لأصوله وجذوره، فيقول الباحث إن عوامل انتصار البراغماتية الأمريكية عقائديًا والوفرة المادية وخمود القوميات كانت عوامل مذوبة كبتت هذا الحنين. الذى عاود ظهوره بقوة تتنامى مع تنامى انبعاث القوميات. وهو ردة الفعل الطبيعية أمام خمود الأيديولوجيات «ويقال سقوطها». وهذا ما يجعل دراسة المجتمع الأمريكى الراهن أكثر تعقيدًا. فهل نقسمه وفق انتماءاته العرقية والقومية؟ أم نتبع التقسيم البراغماتى الذى يصنف الناس فى أنماط وقوالب سلوكية بغض النظر عن شخصياتهم ولا وعيهم الفردى والجماعى؟. لذلك كان من المهم التطرق لموضوع التحليل النفسى للشخصية الأمريكية. عله يقدم لنا الأجوبة على هذه التساؤلات. حتى نصل إلى الموضوع الأهم والأكثر إلحاحًا، وهو موضوع «مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية». إذ يبين علم المستقبليات أن الإمبراطوريات متعددة القوميات تموت موتًا بطيئًا وموجعًا وجالبًا للكوارث ومريقًا للدماء. فهل تشذ الولايات المتحدة عن هذه القاعدة المستقبلية المتعارف عليها؟. إن المواطن الأمريكى اليوم فاقد للتوجه. إذ يتنازعه الحنين للأصول «الآريون الأمريكيون واللوبى اليهودى والتجمعات العرقية والدينية المختلفة» ومتعة اللامبالاة والذوبان. مما أفقد الموزاييك الأمريكى دعم الوفرة المادية بنشوة الحرية الشخصية التى تبدت مثاليتها ولا واقعيتها فى الزمن الصعب. حيث اشتكى الآريون من سيطرة اليهود على الحكومة الفيديرالية. وحيث اشتكى الزنوج من تدنى دخلهم واستمرارية التمييز العنصرى ضدهم. وحين اتهم ذوو الأصول العربية بانفجار اوكلاهوما وغيرها من المواقف التى غذت الحنين إلى الأصول وهى فى طريقها لإلغاء متعة اللامبالاة بالآخر. هذا الإلغاء الذى يترك الموزاييك الأمريكى قائمًا على الوفرة المادية وحدها. وهكذا يتضح تدريجيًا عجز الذات الأمريكية عن مكاملة وتركيب مجموعاتها الدينامية. إذ يزداد بروز عوامل الاختلاف بين هذه المجموعات حتى ينفجر مع أول أزمة اقتصادية أمريكية قادمة. وعندها ستتبدى الفوارق بين هذه المجموعات على الأصعدة المختلفة «العرقية واللغوية والدينية والمذهبية والقومية...إلخ». حتى أمكن القول أن انفجار اوكلاهوما وقبله حوادث ليتل روك ولوس أنجلوس وبعدها حوادث سينسيناتى لم تكن سوى مظاهر لبداية تفكك الذات الأمريكية. على طريق تحويلها إلى فتات من الأقليات المتنافرة إنها النفس الأمريكية المفككة. والحقيقة أننا جميعًا يجب أن نعترف أن الشخصية الأمريكية قد تأخر الغوص فيها وأن أول الدراسات المتعلقة بالشخصية الأمريكية قد تأخر ظهور أول الدراسات المنشورة فى هذا المجال إلى العام 1948 عندما نشر العالم «غورير» كتابه المعنون: Gorer.G: The American People,A Study in National Character, W.W. Norton,NY,1948 فى هذه الدراسة يلاحظ غورير، أن الأمريكيين يطبقون نظامًا صارمًا بالنسبة لمواعيد إرضاع أطفالهم. ومن الطبيعى أن الطفل يحتاج إلى فترة للتكيف مع هذا النظام «الموضوع من قبل بالغين عاجزين عن التحديد الدقيق لحاجات الطفل خصوصًا وأنها عشوائية وغير منتظمة»، خلال هذه الفترة يمر الطفل بتجربة الجوع التى تغضبه فيعبر عنها بالصراخ. ويستنتج غورير أن الشعور بالخوف من الجوع يلازم الأطفال الأمريكيين على مدى حياتهم. وهذا سبب الاحتجاجات الأمريكية الشعبية على المعونات الأمريكية التى قد تؤدى إلى مجاعة أمريكية فى حال استمرار توريد الأغذية إلى الخارج. ويدعم الباحث هذا التحليل بالخوف الذى يجتاح الأمريكيين من احتمالات تناقص المحاصيل الزراعية فى المستقبل «كانت هذه المخاوف منتشرة فى حينه فى المجتمع الأمريكى». كذلك يربط غورير بين تجربة الجوع هذه وبين اهتمام الأمريكى بصدر المرأة. ويصف المرأة الأمريكية بأنها شبقية وعمياء، معتبرًا هذه الصفات على علاقة بجوعها إبان فترة الرضاعة. والواقع أن هذه الدراسة تعرضت لانتقادات عديدة، أهمها أن الباحث يؤكد على كون مرحلة الطفولة محددة للشخصية البالغة «توجه تحليلى-فرويدى». ومع ذلك فإن أثر مرحلة الطفولة غير قابل للإلغاء، وإن لم يكن وحده المحدد لشخصية البالغ. بل إننا، وبالرغم من تغير الظروف والمعطيات، لا نزال نلاحظ خوف الأمريكى من الجوع فى مواقف عديدة. مثل الجماعة التى كانت تخزن الأطعمة فى أقبية خاصة تحسبًا للحرب النووية. وكذلك الاهتمام الأمريكى البالغ بالرفاهية الاقتصادية. وهو الاهتمام الذى جعل كلينتون يفوز على بوش تحت شعار «أمريكا أولًا». ومن أحدث تبديات هذا الخوف من الجوع ذلك الشلل الذى أصاب تجارة البيع بالتجزئة فى النصف الثانى من العام 2000 حين قتر الأمريكيون على أنفسهم حفاظًا على مدخراتهم التى اعتبروها مهددة بسبب التغيير المرافق لسياسة الرئيس المقبل. وكان قرار خفض سعر الفائدة بعد فوز بوش على علاقة بهذا الخوف. فهذا الخفض يسمح للمواطن العادى بالاقتراض بفائدة أقل مما يشجعه على الإنفاق، ويحرك جمود تجارة التجزئة. وغدًا إن شاء الله نواصل البحث عن السيكولوجية التى يحيا بها الشعب الأمريكى المتعدد الجنسيات والأعراف والديانات.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;