زيارة الأيام الستة لواشنطن لا يمكن أبدًا اختصارها فى لقاء القمة المصرية الأمريكية بالبيت الأبيض بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى، ودونالد ترامب على أهميتها، فالزيارة جرى الترتيب لها بدقة شديدة، قبل أن تتم بعدة أسابيع، بل لا أبالغ إذا قلت إن الترتيبات بدأت منذ اليوم الأول لدخول «ترامب» البيت الأبيض فى العشرين من يناير الماضى، لأن الجانبين، المصرى والأمريكى، كانا يعولان عليها، فقررا أن تكون على المستوى المأمول منها، فشهدت القاهرة وواشنطن زيارات متبادلة لمسؤولين مصريين وأمريكيين، وضعوا اللمسات النهائية للزيارة، وجدول اللقاءات، والموضوعات التى ستكون محور النقاش، لذلك لم يكن مستغربًا لنا أن يتفق الرئيسان خلال الزيارة على استئناف الحوار الاستراتيجى على مستوى وزيرى الخارجية، والدوائر المختلفة بين البلدين، وهو أمر غاية فى الأهمية، ويساعد فى تقريب وجهات النظر والرؤى بين القاهرة وواشنطن حول المسائل الثنائية، والقضايا الإقليمية الشائكة التى بحاجة إلى رؤى مشتركة.
من تابع الأحاديث فى واشنطن سيعرف أنها كانت متفائلة جدًا، لكن التفاؤل كان من الأمريكيين أنفسهم، فالغالبية رسموا خطًًا جديدًا للعلاقة بين القاهرة وواشنطن، بدأ ويواصل السير، ويمكن التعبير عن هذا التفاؤل بما قاله جيرى ويلر، عضو الكونجرس السابق، رئيس مجموعة الاتصالات الدولية الأمريكية: «إن زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن سوف تسهم فى صياغة أسس العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة باعتبارهما شريكين».
العلاقة الاستراتيجية نظريًا يتم البناء عليها من خلال التوافق على القضايا التى تهم الطرفين، وجاءت قضية مكافحة الإرهاب فى المقدمة، باعتبارها الهاجس الذى يقلق الأمريكيين حاليًا، كما أنها التحدى الذى يواجه الدولة المصرية. ومن مجمل اللقاءات التى أجراها الرئيس السيسى فى واشنطن، تلمسنا جميعًا استعدادًا، بل رغبة أمريكية فى التعاون مع مصر فى مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما وضح من خلال تصريحات من التقاهم الرئيس أو من تابعوا الزيارة، ومن بينهم جيمس وولسى، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، الذى أكد ضرورة دعم الولايات المتحدة لمصر فى حربها ضد الإرهاب، بل إنه أشار إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية عليها التوقف عن حالة التردد التى كانت سائدة فى ظل إدارة «أوباما»، وقال فى حوار مع الأستاذ خالد صلاح: «إذا كان هذا يتطلب أسلحة من الأنواع التى لم نكن نرسلها على مدى سنوات إدارة أوباما، فسيكون علينا أن نقدمها، وإذا كان الأمر يحتاج إلى التدريب من بعض قواتنا الخاصة وغيرها، يجب علينا أن نقدم ذلك، يجب علينا أن نفعل كل ما هو ضرورى لمساعدة مصر على النجاح فى مواجهة الإرهاب، وحرب العصابات التى جلبها داعش إلى سيناء وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، ليس هناك ما يدعو إلى التردد مثلما فعل الرئيس أوباما فى عدة مناسبات فى التعامل مع تهديد مثل داعش، نحن بحاجة إلى محوهم.. محوهم».
إدارة «ترامب» تدير علاقاتها الخارجية بحساب دقيق، لذلك فإنها فى موضوع الإرهاب تبدو حساسة جدًا، لأنه ملف غاية فى التعقيد، لكنها فى الوقت نفسه تدرك أن مصر هى مفتاح مهم لا ينبغى تجاهله، فكان النقاش مع الرئيس السيسى مفتوحًا على كل الجبهات، لأن الهدف بين الاثنين واحد، هو مواجهة الإرهاب، فمصر تحارب فعلًا الإرهاب ولا تدعمه مثل آخرين يدعون النزاهة، فى حين أن أيديهم ملوثة بدماء الأبرياء، لذلك أرى أنه من المهم الإشارة إلى الزيارة التى قام بها الرئيس السيسى إلى مقر وزارة الدفاع «البنتاجون»، ولقائه جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى، فهى رسالة على شكل التعاون المستقبلى بين البلدين، وكذلك تطلع القاهرة وواشنطن لتعزيز العلاقات العسكرية خلال المرحلة المقبلة، وبما يمكّن الدولتين من مجابهة التحديات غير المسبوقة التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم، وعلى رأسها بطبيعة الحال موضوع الإرهاب، الذى طرح الرئيس رؤيته لمواجهته، من خلال تكثيف الجهود الدولية لتجفيف منابع الإرهاب، سواء من حيث إيقاف مدّه بالسلاح والمقاتلين أو تمويله، وبحيث يتم القضاء عليه فى أسرع وقت، لإنهاء معاناة الشعوب التى يهدد الإرهاب أمنها وسلامتها. وبخلاف زيارة «البنتاجون»، فإن لقاء الرئيس مع دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، كان مهمًا فى إطار السعى المصرى لبلورة استراتيجية متكاملة حول موضوع الإرهاب.
فى المجمل فقد ظهر من لقاءات واشنطن أن هناك رؤية مشتركة بالقضاء التام على جميع التنظيمات الإرهابية وأشكالها، وأن الولايات المتحدة مقتنعة بما طرحه الرئيس السيسى لمواجهة الإرهاب، من خلال تطبيق استراتيجية شاملة تتضمن وقف إمداد الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والمقاتلين، فضلًا عن الأبعاد المتعلقة بمحاربة الفكر المتطرف من ناحية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية أخرى. والأهم من ذلك أن هناك اقتناعًا أمريكيًا، ليس فقط من إدارة «ترامب»، ولكن أيضًا من الكونجرس، بالدور المصرى المهم فى مكافحة الإرهاب والتطرف. وقد لمست من بعض الحوارات وجود إدراك أمريكى أيضًا بأن مصر تواجه معضلة كبيرة اسمها الإعلام الخارجى الداعم للإرهاب، خاصة الإعلام الذى تدعمه قطر وتركيا، اللتان تدعمان الإرهاب، فكثير من الشخصيات السياسية والمراكز البحثية الأمريكية لديها إدراك بأن الدولتين هما أكبر عدو، لأنهما داعمتان للتنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط، خاصة جماعة الإخوان.