فى مقدمة بحثه عن «النظام الفردى» «الأوتوقراطى» دراسة نظرية لـ«السلطة المطلقة» يقول الباحث العراقى وليد سالم: «أجهد المفكرون والمنظرون أنفسهم فى تفسير وتبرير سلوكيات الحكام الطغاة، فاختلفت الأسماء والأوصاف، ولكن فى الجوهر والفعل اتحدت المسميات والأشكال، وهو وجود حاكم قوى يحكم بشكل مطلق يملك كل وسائل العنف والإكراه مقابل شعب مقيد مسلوب الإرادة غُلب على أمره، لا يملك إلا الخضوع والطاعة للطاغية»، والسؤال هل لهذا الكلام علاقة بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
فى الحقيقة لم أكتب هنا لأقول رأيا فى التجربة التركية الجديدة من الجانب السياسى أو الاقتصادى، لكننى أتأملها من منطلق «حكم الفرد المطلق» الذى سعى رجب طيب أردوغان لتكريسه فى الاستفتاء الدستورى الأخير الذى انتهى بكلمة «نعم»، ومنح منصب الرئيس سلطات تكاد تكون مطلقة.
فازت كلمة «نعم» وبلغت نسبة المؤيدين 51.3٪ مقابل 48.6٪ عارضوا التعديلات، وأظهرت وكالة الأناضول أن الأصوات المعارضة للتعديلات تتصدر فى أكبر ثلاث مدن بتركيا، وهى إسطنبول وأنقرة وإزمير، إضافة إلى ديار بكر «جنوب شرق البلاد» الذى تقطنه أغلبية كردية.
بالطبع هذا الفوز بنسبة ضئيلة يؤكد أن قرابة نصف الشعب التركى يرفض عودة الديكتاتورية مرة أخرى، وهذا أمر مهم، وليس فى صالح أردوغان، الذى وصل إلى حكم تركيا فى عام 2002 وخلال هذه الفترة استطاع تغيير موازين الحكم فى تركيا من دولة يسيطر عليها الجنرالات والقضاة إلى دولة يحكمها حزب واحد، كما أنه ضيق الخناق على وسائل الإعلام وعلى المتظاهرين وتخلص من منافسيه، ورأى محللون غربيون وشرقيون على السواء، أن من أولوياته الأساسية التى يسعى إليها دائما هى إضفاء شرعية على حكم الرجل الواحد، فيما يعد النموذج الكامل حاليا للديكتاتور على المستوى السياسى، فنظام الحكم الفردى ينفرد عن غيـره مـن أشكال وصور الحكم بوجود نزعة تحكمية صارخة فى ممارسة السلطة من قبل حـاكم فـرد واحد لا ينازعه ولا يشاركه فيها أحد.
ما يحدث فى تركيا نموذج غريب من استغلال الديمقراطية فى صناعة ديكتاتورية، وهنا يلعب الشعب الدور الخطير فى هذا الأمر، وفى ذلك يقول وليد سالم «إلا أن هذه النزعة التسلطية فى الحكم كانت نتيجة وجود توافق ضمنى مشـترك بـين الحاكم والشعب، فالحاكم لديه الرغبة فى ممارسة التسلط والشعب لديه ميل للاقتنـاع بتحمـل الخضوع».
ورغم وجود نموذج «الديكتاتور» كثيرا فى التاريخ الإنسانى ما زلت أتساءل: لماذا يظن الواحد فيهم أنه وحده القادر على التغيير وأنه الوحيد الذى يفهم والوحيد القادر على الخروج من الأزمات والوحيد الذى يليق بالجلوس على كرسى الحكم؟!