هناك شىء ما فى العالم غير منضبط، شىء ما هرب من دائرة التحكم وفرض نفسه على الحياة وانحرف بها كثيرًا عن كل التوقعات حتى صارت الأمور الغريبة أمورًا عادية بسبب وقوعها بشكل يومى ومتكرر، ومن ذلك جرائم قتل النفس، والتى صارت كثيرة ومتنوعة حتى فى ريف مصر وقراها.
منذ أيام قليلة نشرت الصحف خبرًا غريبًا، بالنسبة لى غريبًا وصادمًا، يقول الخبر «انتحر عامل يقيم دائرة مركز المنشأة فى سوهاج، برطم رأسه فى حائط المنزل مما نتج عنه جرح بفروة الرأس ونزيف بالأنف وتوفى عقب نقله للمستشفى لمروره بضائقة مالية، وتلقى اللواء مصطفى مقبل، مدير أمن سوهاج، إشارة من مستشفى المنشأة المركزى، بوصول «رفعت.ع.60 عامًا»، عامل ويقيم شارع الحرية دائرة المركز مصابًا بجرح رضى بفروة الرأس ونزيف بالأنف وفقدان الوعى وتوفى عقب وصوله، بالانتقال والفحص وسؤال نجله «عاطف، 33 عامًا»، عامل ويقيم بذات الناحية قرر قيام والده برطم رأسه بالحائط وإحداث إصابته بنفسه لمروره بضائقة مالية مما نتج عنه إصابته التى أودت بحياته، ولم يتهم أحدًا بالتسبب فى ذلك، بتوقيع الكشف الطبى على الجثة بمعرفة مفتش الصحة أفاد بعدم وجود شبهة جنائية فى الوفاة وأيدت تحريات إدارة البحث الجنائى ذلك، تم تحرير عن ذلك المحضر رقم 5332 إدارى المركز لسنة 2017، وبالعرض على النيابة العامة صرحت بدفن الجثة.
هذه الحادثة ليست مجرد خبر ورد فى صفحة الحوادث نستغربه ثم نضرب كفًا بكف ونمضى ونقول «ما الذى جرى للناس»، بل هناك «خطر» كبير يكمن وراءه، وأسئلة كثيرة لا تغادرنا أبدًا: فما الذى حدث؟ وما الذى دفع ذلك الرجل الذى يبلغ من العمر 60 عامًا لهذا القنوط من الحياة ودفعه للخروج منها بهذه الطريقة الصعبة؟، أى حالة نفسية كان يمر بها ولم يستطِع الخروج منها؟ وأين كان أهله وأقاربه وأهل الخير والقائمون بالمعروف؟ لماذا لم يرَ أحد التغيرات التى أصابته مؤخرًا وجعلته حزينًا مكتئبًا يعانى قلة الحيلة؟ والسؤال الخطير: هل أصبح الصعيد أيضًا مصابًا بنقص الاجتماعيات وصار الناس لا يعرفون أحوال بعضهم ولا يسعون لتواصل حقيقى وتقطعت بهم السبل؟.
ما زلت عاجزًا عن استيعاب الحادثة، فإن يظل رجل يضرب رأسه فى الجدار حتى الموت ليس أمرًا عاديًا، بل ناقوس خطر لما أصاب المواطن، وعلى الجميع وعلى رأسهم الحكومة وعلماء الاجتماع التنبه لمثل هذه الحالات وأن يدرسوها جيدًا، ويسارعون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لأن ذلك مقدمة شؤم.