تمر اليوم الذكرى الثانية لرحيل "الخال" الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، ولا تزال كلماته وقصائده تتردد على ألسن الجميع مُعتقة بالحكمة والصورة الجميلة والكلمة الموحية والقدرة على التأثير.
الحديث عن عبد الرحمن الأبنودى لا يحده حد ولا يحيط به كلام، هو ذاته يشبه قصيدة جميلة ومختلفة فى سجل الثقافة العربية عامة والمصرية خاصة، استطاع وهو شاعر العامية أن يصبح شاعرا كبيرا على مستوى العالم العربى وأن يصنع جمهورا متسعا من الخليج للمحيط، كما يقولون.
لذا من غرائب الأمور فى مصر أن يُطرح سؤال: هل يجوز تدريس شعر وحياة عبد الرحمن الأبنودى فى المدارس والجامعات المصرية؟ وأن يختلف المسئولون حوله، ويدعون بأن الأمر يحتاج إلى دراسة وعرض على جهات عليا.
عن نفسى أعتبر أن هذا السؤال "غريب" جدا، فإن كان شاعر بحجم عبد الرحمن الأبنودى لا يتم تدريسه فى مناهج التعليم، فمن إذًا من الشعراء المحدثين يصلح أن يكون موضوعا يطلع الطلبة على سيرته التى هى سيرة مصر وعلى كلماته التى يعبر بها الجميع عن إحساسهم بالأشياء ورأيهم فى كل ما يحيط بهم؟.
الرافضون ينطلقون من قصة "الفصحى والعامية" ويرون أن عامية عبد الرحمن الأبنودى تحول دون وضعه فى كتاب "حكومي" ، وهؤلاء لا يعرفون أن تميز عبد الأبنودى يتجاوز هذه النقطة، وأن منطق البعض الذى يرى الإطار الخارجى فقط يمنح الكثيرين من شعراء "الفصحى" الذين لا تستحق نصوصهم التوقف عندها وقراءتها حق دخول الكتب المدرسية من باب "الفصحى" المشرع ويمنعون قامات كبيرة مثل الأبنودى وصلاح جاهين وفؤاد حداد من ذلك لكونهم يكتبون بالعامية، هؤلاء الرافضون لا يعرفون أن هؤلاء الشعراء الكبار تجاوزا هذا الإطار الضيق وأصبحوا يملكون معجما وصورا ورؤية شعرية تجعلهم فى صف واحد مع كبار شعراء العربية عبر التاريخ.
دائما ندعو إلى أن مناهج التعليم تحتاج لثورة كبيرة فى كل شيء، ومن ذلك أن يعرف القائمون على وضعها قيمة الشخصيات الفنية والأثر الإيجابى للنماذج التى يتم تقديمها للطلبة، وألا يسقطوا فى عبادة الإطار، لأنه دائما هناك من يستطيع أن يحطم الأطر ويجبرنا على تغيير القوانين ومن هؤلاء عبد الرحمن الأبنودي.
نعم من حق أبنائنا أن يعرفوا عبد الرحمن الأبنودى وأن يكبروا مشبعين بكلماته، وأن يعرفوا الشعر الحقيقى الذى يأخذ بقلوبهم ووجدانهم ويتحرك بهم ناحية كل ما هو جميل فى هذه الحياة.