فى الحياة، يمضى كل إنسان حاملاً فى أعماقه تلك القيم والمبادئ التى تكون له مرشدًا أينما سار وكيفما تصرف: أعنى فى قراراته، وسلوكه نحو الآخرين. وترتسم مبادئ الحياة وقيمها فى ضمير كل إنسان منذ صغره مع وعيه وإدراكه لِما يحدث حوله؛ وتختلف تلك المبادئ من شخص إلى آخر وَفق ما تربى عليه وما تعلمه أولاً فى أسرته الصغيرة، ثم فى المجتمع من حوله. وتأتى بعد ذلك تجارِب الحياة والمواقف التى تمر به ليعبرها وهو ثابت على ما تعلمه، أو واقف عندها ليبدل بها أخرى . وهنا، ليتوقف كل إنسان قليلاً وليتساءل : أى مبادئ أتبع فى الحياة؟! وأى مبادئ أقدم للآخرين؟!
تحضَرنى قصة وقعت فى أحد البُلدان حيث كان أحد الآباء يقتاد طفليه إلى مشاهدة السيرك؛ وبينما هو ينتظر دوره لشراء تذاكر الدخول، قرأ على لوحة معلقة على نافذة البيع أن التذكرة: سعرها للبالغين خمسة جنيهات، وثلاثة جنيهات لمن تخطَّوا ست سنوات، ومجانية لمن دون السادسة؛ وكان أحد طفليه فى السابعة والآخر فى الثالثة. وعند شراء الأب التذاكر، طلب من المسؤول تذكرتين فقط: إحداهما لشخص بالغ، والأخرى لطفله ذى السبعة الأعوام؛ فحينئذ قال له مسؤول البيع: إنك غريب عن المكان، وكان فى استطاعتك أن تخبرنى أن ابنك الكبير هو دون السادسة، وكنتُ حينئذ لن أتمكن من التمييز أفى السادسة هو أم السابعة؛ وبذلك لكان أمكنك أن توفر مبلغ ثلاثة جنيهات! أجابه الأب: حقًّا إنك حينئذ لَكنت لا تُدرك الفارق، ولٰكن طفلى لَكانا أدركا، ولَظل ذٰلك المشهد محفورًا فى أعماقهما طوال العمر، ولَظللتُ أنا قُدوة سيئة لهما طوال حياتهما ، وحينئذ : أى أموال تلك التى كانت تستحق ؟!! وفى المقابل، أتذكر قصة قام فيها أحد الأطفال بسرقة بيضة ، وقدمها إلى أمه فلم تَنهِه عما فعل؛ وبعد حين، قام بسرقة دجاجة، وأسرع بها إلى أمه، ففرِحت به وثَنَت عليه!! ولم تمر أشهر حتى قام بسرقة أكبر، ثم تدريجيًّا تحول إلى مجرم تطارده العدالة حتى سقط وسُجن أعوامًا طوالا .
من أجل هٰذا: على كل إنسان أن ينتبه لِما يزرعه فى حياة الآخرين من خير أو شر، لأنه حتمًا سوف يأتى اليوم الذى يجنى فيه ثمار ما زرعه، فجميع ما تزرعه إياه تحصُد. وفى الوقت نفسه، على كل إنسان أن يتمهل ويسأل نفسه: أين أنا من مبادئ المحبة والرحمة والقيم التى تُعْلى من شأن إنسانيتى وإنسانية البشر؟ أين أنا من: الأمانة، والصدق، والخير؟! إن الحياة قصيرة جدًّا، وهى لا توهَب للشخص إلا مرة واحدة: فماذا فعل بحياته؟! وماذا قدم فيها؟! أتُراه كان شخصًا يجفف دموع الألم، أم أضحى سببًا لسكبها من أعين الآخرين؟! أكان يعمل لإسعاد البشر، أم بات سبب حَُزَْن يمزق قلوبهم تمزيقًا؟!! عزيزي: كيف كانت حياتك؟ وكيف أصبحت؟! وإلى أين هى تمضي؟!
• الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .