تهتم شعوب العالم بدراسة التاريخ؛ للاعتبار بما حدث فى الأيام الخالية وللبحث عن الحلول للمشاكل المعاصرة، وفقاً للتجارب السابقة.
ونسجا على هذا المنوال فى مصر، فقد سبق أن حدث فى الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضى زيادة النفوذ الاشتراكى فى مصر وظهر نشاط غير المتدينين، وعلى صوتهم وقويت كلمتهم فى وسائل الإعلام.
وظهرت دعوة فى مصر لإضعاف نفوذ علماء الدين، ومن ثم عُرضت الأفلام التى تحقر الشخصية الأزهرية والتمثيليات التى تظهرهم بالمظاهر الرديئة، والمقالات التى توجه الإهانة الإساءة والإهانة إليهم، وتم التضييق عليهم فى أجورهم، مما اضطر كثير منهم إلى الانشغال بتدبير أمور معيشته والعمل فى أعمال تسىء إليهم كعلماء، وأصبحوا يظهرون بمظاهر لا تليق بالعلماء ولدعاة، وترتب على ذلك سقوط مكانتهم فى نفوس الناس، واضمحلت شخصيتهم فى المجتمعات باعتبارهم قدوة للشعب، وسقطت هيبتهم فى نفوس الناس ولم يعد لكلامهم وزن فى قلوب الشعب.
وانعكس هذا على العلماء أنفسهم فأصيبوا بالقنوط وزاد انزواؤهم وانكماشهم، وتحقق للمغرضين غرضهم فى إضعاف نفوذ علماء الدين.
ما هى إلا سنوات قليلة وظهرت الثمار المرة التى غرسها هؤلاء المغرضون وهم لا يعلمون. ظهرت جماعات التكفير والهجرة، وهبت على مصر رياح من الصحراء تصف نفسها بالسلفية – أى الذين يعملون بما عليه السلف – وكأن غيرهم لا يعمل بعمل السلف، وحاولت اقتلاع كل الثوابت الدينية فى مصر، كما ولدت جماعات أطلقت على نفسها الجماعة الإسلامية - وكأن غيرهم ليسوا مسلمين - وانتشروا فى جميع الجامعات فى مصر عدا جامعة الأزهر، كما تلألأت نجوم بن لادن وهو رجل أعمال، والظواهرى وهو طبيب، وغيرهما وجميعهم لم يتعلم فى الأزهر، ولم ينهل من منهله ثم كانت الطامة فى داعش وبوكو حرام.
وظهر فى مجتمع المسلمين بل فى العالم بأكمله ما نشاهده من البلاء المبين، وحاول بعض الحكام التصدى لهذه الموجات فى القرن الماضى، ولكن كانت أظافر هؤلاء المارقين قد طالت لدرجة أنها طالت هؤلاء الحكام وقضت عليهم.
وتنبه المخلصون لمصر والعالم أنه لا ملجأ ولا منجى من هذا البلاء إلا بالأزهر، ومن ثم فقد اعتصموا به، وحاولوا تصحيح ما حدث من خطأ فى حق الأزهر والأزهريين.
ورحب الأزهر وعلماؤه بذلك فقام شيخه الأستاذ الدكتور أحمد الطيب بقيادة العلماء الذين استعادوا دورهم، وعقدوا المؤتمرات الدولية التى ضمت آلاف العلماء من جميع أنحاء العالم لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى سادت فى العالم أجمع، واستنهاض همم العلماء للتصدى للجماعات المتطرفة ولأفكارها، وتم رصد أفكار هذه الجماعات فى جميع أنحاء الدنيا بثلاثين لغة عالمية، والتصدى لهذه الأفكار والرد عليها وتفنيدها، وذلك لكسر موجة الشباب المندفع لتأييد التطرف والمتطرفين فى كل مكان فى العالم.
وقام شيخ الأزهر واعتلى أعلى منابر الدنيا فى فرنسا وألمانيا، ووجه من المجلس النيابى الألمانى "البوندستاج" خطابا فند فيه الإرهاب ورسم خريطة للقضاء عليه، مما جعل العالم بأكمله يتعلق بالأزهر وشيخه، وتقاطرت زيارات رؤساء العالم للأزهر باعتباره المنقذ والملاذ ضد الأفكار المتطرفة.
ولكن هذه المنزلة التى تبوأهها الأزهر عالميا ونالها شيخه فى قلوب شعوب العالم لم ترض بعض ذوى النفوس المريضة، فقاموا يحسدون الشيخ على مكانته العالمية، ويوجهون له الإساءات، ويخرجون بعضا مما فيهم.
بل ويسعى آخرون للعودة إلى إضعاف العلماء مرة ثانية، كما حدث فى القرن الماضى وقد رأينا ثماره ".. فاعتبروا يا أولى الأبصار"، ولكن ثمار هذه المرة ستكون أشد مرارة، وأكبر حجما، وأشد قوة مما سبق.
ومن هنا فإننا نناشد العقلاء من هذا الشعب، وأعضاء مجلس النواب، والإعلاميين المتدينين المنصفين، والمخلصين من قادة الدولة وأولى الأمر أن يتنبهوا لهذه الموجة الظالمة التى تهاجم الأزهر وشيخه، وتحقد عليه لما ناله من مكانة عالمية، مع أن تألق شيخ الأزهر عالميا يرفع من اسم مصر، ويزيد فى قوتها الناعمة، ويدعم مركزها عالميا.
ومن ثم فإن الهجوم عليه وإهانته يضر بمصر والمصريين، وهو ظلم بيّن سينعكس على المصريين وعلى أبنائهم وعلى العالم "... وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون" (من الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء)
· عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق