يوم الثلاثاء 3 مايو 2011، فوجئ المصريون بالقيادات التاريخية والرسمية لجماعة الإخوان الإرهابية، يتوجهون إلى مشيخة الأزهر، ويلتقون الدكتور أحمد الطيب، فى سابقة هى الأولى من نوعها.
الوفد ضم محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية، ومهدى عاكف، المرشد العام السابق للجماعة، والدكتور عبد الرحمن البر، مفتى الجماعة، والدكتور سيد عسكر.
الزيارة جاءت حينذاك توظيفا واستثمارا للحالة الثورية بعد اندلاع الثورة بأربعة أشهر تقريبا، وحملت معانى ودلالات جوهرية، أبرزها، أن الجماعة تبعث برسالة شديدة اللهجة من فوق منبر المشيخة للداخل والخارج، ترسم سياسة جديدة، قوامها أن جماعة الإخوان فوق المؤسسات، وأن مكتب الإرشاد فوق المشيخة، بجانب إظهار القوة، والعين «الحمرا» مبكرا لشيخ الأزهر.
وبعيدا عن فرد العضلات، و«نفش الريش» من قيادات الجماعة الإرهابية فى الاجتماع الأشهر فى تاريخ الأزهر، كان هناك أمر لافت، مر مرور الكرام، دون فحص وتمحيص وتدقيق ودراسة، ويمثل كارثة حقيقية، يتمثل فى تصريح فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب عقب اللقاء، الذى قال فيه: «الإخوان جزء من الأزهر.. ونصف أعضاء الجماعة أزهريون».
التصريح مر مرور الكرام، وكأنه عابر سبيل، لم يهتم به أحد لا بالتعليق ولا بالتمحيص أو الإدانة والشجب، خاصة من جانب الذين يهاجمون الأزهر حاليا وبضراوة، مع العلم أن هؤلاء أنفسهم كانوا داعمين ومساندين لجماعة الإخوان مع بداية الثورة.
ولنا هنا ملاحظة جوهرية، أن هناك فارقا شاسعا بين أن تطالب الأزهر، باستبعاد المنتمين عضويا لجماعة الإخوان، من مطبخ صناعة القرار فى المشيخة، وبين أن تهدم المؤسسة العريقة والتاريخية، فنحن ندعم ونساند الأزهر، ونطالب باستبعاد قيادات الإخوان من مناصبهم، يقينا بأن الأزهر منارة العلم والدين عبر التاريخ الإسلامى، ودفعت بأعظم حوزة علمية عرفتها الأمة منذ إنشائه، وأسهم فى إبراز الدين الإسلامى الصحيح، والمعتدل.
ونعود لتصريح شيخ الأزهر، الذى يعد بمثابة كارثة كبيرة، فهو اعتراف قوى أن نصف قيادات وأعضاء جماعة الإخوان «أزهريون»، وإذا اعتبرنا أن هذه النسبة الكبيرة هى المعلنة، فما البال بعدد الأعضاء والمتعاطفين مع الجماعة من هيئة التدريس فى الجامعة، والذين يصعدون منصات المدرجات وقاعات المحاضرات يغرسون أنياب أفكارهم المتطرفة بكل عنف وقسوة فى جدران عقول الطلاب، فيخرجون من الجامعة مشاريع «تكفيريين» يعتلون منابر المساجد ليخطبوا فى الناس.
اعتراف شيخ الأزهر بأن نصف الإخوان «أزهريون» موجع ومؤلم، بجانب خطورته البالغة، فى نثر بذور الأفكار التكفيرية.
شيخ الأزهر لم يكتفِ بهذا التصريح، وإنما استرسل قائلا: «اللقاء جاء وديا وطيبا للغاية واتفقوا على التعاون المشترك بين المشيخة ومكتب الإرشاد»، وقال أيضا: «الزيارة جاءت بعد أن أصبح المناخ مناسبا لها».
وتأسيسا على ما أبداه شيخ الأزهر من تصريحات غاية فى الخطورة، وذات الدلالات الجوهرية المعبرة عن النهج، ووسط ما تشهده مصر من محاولات تكفيريين يشوهون الدين، بالقتل والحرق والتدمير، وإثارة الفوضى، مرتكبين كل أنواع الخيانة والمؤامرة لهدم الأوطان الإسلامية، لمصلحة الأعداء، فلا عجب أن تجد الأزهر يقف متفرجا، وأن من كانوا يدعمون المعزول محمد مرسى، وجماعته الإرهابية، مستمرون فى مناصبهم، ولم يتخذوا إجراءات حقيقية لمحاربة «داعش»، وكأنهم معجبون بمشاهدة فيديوهات يبثها التنظيم الإرهابى تضم مشاهد قتل خير أجناد الأرض أثناء تناولهم الإفطار فى شهر رمضان، وهم يؤدون الصلاة، كما يحرقون ويسحلون ويفجرون، ويخربون.
ولن تجد استجابة كبيرة من الأزهر حيال ما تنادى به القيادة السياسية من تجديد للخطاب الدينى، وتطوير المناهج، وتنقيتها من شوائب التطرف، وإظهار الوجه الحقيقى للأزهر، وللأسف الشديد القيادات الحالية لمنارة العلم، لا تدرك أن لديها فرصة تاريخية، فى عودة سمعة وشهرة الأزهر وترسيخها فى العالم، إذا تبنى خطوات إصلاحية كبيرة، ووضع خططاً لتنظيم مؤتمرات دولية، وندوات تثقيفية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا والصين والهند، وفى أدغال أفريقيا، للتعريف بالدين الإسلامى الصحيح.
مطلوب الدفع بقامات شبابية، تتمتع بعقول مستنيرة، ومرتبة، مثل الدكتور أسامة الأزهرى، وليس الشيخ العجيب والغريب المدعو «عبدالله رشدى»، أبرز المتعاطفين والداعمين لحازم صلاح أبوإسماعيل، مؤسس حركة حازمون الإرهابية.
وبجانب تصريحات شيخ الأزهر المثيرة، فإن هناك أمرين مهمين ينتهجهما قيادات الأزهر حاليا، يؤكدان أنه لا أمل فى الإصلاح والتجديد، وإيقاف نثر بذور التطرف.
الأول: إصرار شيخ الأزهر على التمسك بقيادات إخوانية فى مطبخ صنع قرار الأزهر، معلومين بالاسم، من بينهم الدكتور محمد عمارة، الذى أصدر بيانا أدان فيه ثورة 30 يونيو ووصفها بالانقلاب، كما يظهر حاليا وبشكل دائم على قنوات الإخوان، والجزيرة ليدلى بتصريحات تتعارض مع الفكر التنويرى، وتتسق مع أفكار داعش وجماعة الإخوان، ومع ذلك فإن الرجل مازال عضوا بارزا فى هيئة كبار العلماء، والمقرب من شيخ الأزهر، الذى يثق فيه ثقة عمياء، فى الوقت الذى يتم فيه استبعاد عقلية مستنيرة مثل الدكتور أسامة الأزهرى.
الثانى: تصدير الشيخ عبدالله رشدى، ليتحدث باسم الأزهر وأحد كوادره الشابة، رغم أن هذا الشيخ، صاحب العضلات المفتولة، والابتسامة العجيبة، كان أحد أبرز المقربين من «حازم صلاح أبوإسماعيل»، ويعتبره أستاذه، فبالله عليكم كيف يدفع الأزهر الشريف بقيادة دينية تتخذ من مؤسس حركة حازمون القدوة، ليتصدر مشهد التجديد الدعوى؟!
الوضع خطير، وقيادات الأزهر يمارسون عملهم، بالعنت والسير عكس الاتجاه، لإثبات أنهم أقوياء، وغير خاضعين، وليس من باب العلم والمنطق والعقل!!
ولك الله يا مصر...!!