«ولدى الصغير عندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمرى ستعرف لماذا أموت.. ليس عندى ما أقوله لك أكثر من أننى برىء.. وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكى قصته لأصدقائك» هذا جزء من خطاب تركه أوجست سبايز أحد العمال الأمريكيين الأربعة الذين حكم عليهم بالإعدام بسبب إضراب أكثر من 400 ألف عامل فى 1 مايو 1886.
إنه عيد العمال الذى نحتفل به فى اليوم الأول من مايو كل عام، نظنه مجرد يوم إجازة من العمل الحكومى والخاص، لكن لا نتوقف كثيرا لنتأمل حال العامل الذى نحتفى به ولا نتعب أنفسنا لمعرفة ظروفه بعد أن أطبقت عليهم الحياة بكل قسوتها.
«العامل، العمال، العمالة، الأيدى العاملة، الشغيلة» تاريخ طويل من المعاناة فى العالم، هم من أوجدوا التاريخ الإنسانى، فالحضارات نبتت من تعب أيديهم الدامية ومن عرق جبينهم تفجرت الترع والأنهار، وبسواعدهم القوية بدأت نهضة العالم الحديث فى المصانع والمناجم والمشروعات التى صنعت دولا كبرى أوجدتها من الفراغ وجعلتها سيدة العالم، ومع ذلك ظل العمال فى خلفية الصورة، وكالعادة عندما يتحقق النجاح لا يتذكرهم أحد بل يذهب الرأسماليون بالمال والنفوذ ويعود العمال لأبنائهم بأحلام بسيطة وفتات قليل من الرزق.
بالطبع حدث أن شعر بهم بعض الحكام وألقوا عليهم نظرة رضا، لكن ذلك كان قليلا لا يمكن تبنيه واعتماده سلوكا عاما فى السياسة، حتى النظريات الماركسية التى كُتبت كى تساعد العمال لم تفعل ذلك عندما تم تطبيقها هى فقط حولت الجميع إلى عمال أى أنها جعلت الجميع يعانى مثل العمال ولم تصعد بالعمال إلى الراحة التى ظنوها مع هذه النظم، أى بكل بساطة هذه النظم صنعت رأسمالية دولة تطحن العامل وتودى بأحلامه .
العامل الذى كان قديما ينتمى للطبقة المتوسطة التى تمثل الأساس الذى يحفظ التوازن المجتمعى أصبح الآن ضائعا فى غيابات الطبقة الفقيرة والأقل فقرا، وانتشرت البطالة ملقية ردائها القمىء على حياته وأحلامه ومستقبله هو وأسرته، وعليه، لو أردنا حقا أن نحتفل بعيد العمال أن نفكر فى حلول حقيقية لأزمة العمال فى مصر.
بالتأكيد سيشعر العمال بحقوقهم عندما تكثر المصانع والشركات والمؤسسات والمبانى، وعندما توجد القوانين التى تحافظ على حقوقهم التأمينية الصحية والاجتماعية وعندما لا يشعرون بالخطر الدائم المسلط على رقابهم من أصحاب رأس المال.. فكل سنة وعمال مصر طيبون وبصحة كاملة وحقوق غير منقوصة.