فى عمله الثالث «الدائرة السوداء» يقدم الكاتب والروائى حمدى عبدالرحيم رواية يمثل النفوذ مركزها الرئيسى، السياسة فى خلفية الأحداث قوية وحاضرة، زمنيا الأحداث تدور فى الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2010، بإحالات إلى الماضى حتى السبعينيات، وتشير إلى ما جرى بعد نزول ستائر النهاية، وتختصر السنوات الأخيرة من حكم مبارك «انتخابات وحزب وطنى وتلاعب، وحركة كفاية، وتقارب الإخوان مع الحزب الوطنى، ومقدمات 25 يناير».
«الدائرة السوداء» رواية عن النفوذ بكل أنواعه وأشكاله، نفوذ القوة والمال والمعلومات والجنس والأسرة، نفوذ السلطة يمثله ضابط أمن الدولة أشرف عاصم العمرى على كل من يشك فيه، ونفوذ ذكورى على زوجته بثينة، وهى تمارس نفوذها بالتحكم الأنثوى. هناك أيضا نفوذ الزوجة محاسن على الدكتور مالك، ونفوذ ليلى على مالك وعلى زميلاتها فى حركة كفاية.
مصائر الشخصيات الرئيسية متوازية ومتقاطعة، الضابط أشرف العمرى، والدكتور مالك الجندى أستاذ الأدب العربى ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وليلى عمر، السياسية المنتمية لأسرة ثرية، وشقيقاها يمولان الحزب الوطنى.
ضابط أمن الدولة العقيد أشرف عاصم العمرى، يمثل كل أنواع النفوذ بحكم موقعه فى أخطر جهاز أمنى، وبجانب نفوذ السلطة يمتلك المال، فهو ابن عاصم العمرى المقاول الملياردير الذى يقدم للجهاز وللحزب الوطنى ملايين، أشرف لديه قدرات أمنية عالية تجعله «الجوكر» بين زملائه يسند إليه قياداته فى الجهاز أعقد الملفات، لا يدخن ولا يشرب وليس له علاقات نسائية، مؤمن بدور جهاز أمن الدولة.
أشرف العمرى ليس فاسدا بالمعنى المباشر، والده منحه قصرا وأسطول سيارات، وينفق على وظيفته ونفوذه يواظب على الصلاة، هو ووالده وكل قيادات جهاز أمن الدولة. وكل شخصيات الرواية يصلون، ولكل منهم غرضه.
ولا يجد أشرف العمرى تناقضا بين صلاته ولجوئه إلى التعذيب وإفقاد ضحاياه عقولهم. استدعى خلف حامد ليعرف من يمول نشاطه بحركة كفاية، ومنشوراته، ويتبع معه الخيار صفر، بعد أن يتأكد أنه لن يحصل منه على معلومات، يحلق رأسه ويصنع جروحا فيه ويلبسه طاقية فيها صراصير وثعابين غير سامة تفقده عقله، وتصيبه بالخرس.
أشرف وقائده اللواء «زبادى» من رجال الأمن يمارسون عملهم عن اقتناع مؤمنين بأنه وخمسة آلاف شخص فى البلد هم من يعرفون الصالح العام ويساندون الرئيس مبارك ضد قلة من خونة لا يقدرون جهد الرئيس، يستدعى الدكتور مالك الجندى، ليطلب منه تحذير زملائه من الانخراط فى الحركات المعارضة، كفاية و9 مارس وغيرها، ينقل مالك التحذير إلى زملائه.
مالك يواجه زوجته محاسن النكدية، التى تشك فى كل خطواته، وتسعى للبحث عن دليل خيانته، تنمو علاقته مع ليلى عمر التى تصغره بعقود.. ليلى محجبة وتكتب قصة زواج والدها من والدتها بعد قصة حب صوفية وانتقاله للثراء.
قوة أشرف العمرى ونفوذه تنهار عندما يقرر مراجعة مصير خلف حامد عضو حركة كفاية، يصلى الجمعة ويذهب ليشاهد ضحيته وعندما تلتقى عيناه بعينى ضحيته تنقلب حياة أشرف ينهار صحيا وجسديا ويسقط مريضا، ويشفى لكنه يصاب بالعنة يفقد أحد أهم أدوات نفوذه، يستعيد قوته عندما يشاهد ليلى فى مظاهرة، يطلب الزواج منها فى وقت تكون قد اتفقت على الزواج من الدكتور مالك، تنتهى الرواية، لكن المصائر مفتوحة، والتحولات التالية تكشف أن حسابات أشرف ومالك عن استمرار الأوضاع كانت مختلفة، الدائرة السوداء، تنكسر، لكن تبقى معادلات النفوذ قائمة.