عادة ما تبدأ تأثيرات الرواية بعد الانتهاء من قراءتها، وما يبقى من تعبيرات وأحداث وشخصيات. وفى رواية الدائرة السوداء لحمدى عبدالرحيم، تبقى الكثير من التفاصيل والإيحاءات والأحداث حية ومستمرة بعد انتهاء الرواية.
أحداث الدائرة السوداء تنتهى روائيًا، فى زمن تبدأ فيه الأحداث السياسية التى تمثل تمهيدًا لما يجرى بعدها.
الرواية تدور عن النفوذ بأشكاله وأنواعه، نفوذ القوة والمال والحب والأسرة. ومن حيث يواجه العقيد أشرف العمرى أزمته الأولى التى تهدد مستقبله ووجوده ونفوذه، يبدأ الدكتور مالك الجندى فى التحرر من نفوذ زوجته محاسن، ليبحث عن حريته مع ليلى عمر. وفى نفس الوقت يبحث أشرف عن علاجه بطلب الزواج من ليلى. ترفضه لكن تبقى المصائر مفتوحة. توحى بمزيد من التفاصيل، التى قد تشكل جزءًا آخر.
ومثلما يمثل العقيد أشرف العمرى رمز النفوذ من جهة السلطة، يبقى الدكتور مالك الجندى، ممثلًا للمثقف المتردد بين طموحاته وواقعه الأسرى والمهنى، هو مثقف كبير، ليس مهتمًا بالسياسة، ومع أنه يرأس قسم اللغة العربية، فهو يعمل فى دراسة اجتماعية، يحاول فيها البرهنة على انقطاع المصريين المعاصرين عن تاريخ أجدادهم، ويتفق مع الضابط وقيادات الأمن بأن الأمور لن تتغير، بينما ليلى تمثل أملًا آخر، فى التحولات.
الدكتور مالك أيضًا خاضع لنفوذ زوجته محاسن والتى تغار عليه، وتتهمه بالخيانة، وتعاقبه بأن تنكد عليه حياته، هو يحاول التعايش مع واقع مقبض، لأنه يحب أبناءه لكنه يكتشف أنها أخذت الأبناء فى صفها، ويترك كل هذا وينتقل إلى قرار بالزواج من ليلى وهى فى عمر ابنته.
ليلى نفسها تنتمى لأسرة ثرية، وشقيقاها يديران إمبراطورية تجارة المجوهرات، ويمولان الحزب الوطنى ويرتبطان بشبكة علاقات تربط المال بالسلطة وتكشف عن أنه وإن لم يكن الضابط مثلًا متورطًا فى فساد مباشر، ووالده يمول الحزب والأجهزة، فإن الأب بالطبع يحصل على أعمال ومصالح تساوى أضعاف ما ينفقه عشرات المرات. وتكشف خطوط الاتصال كيف يتزاوج المال مع السلطة ويتساندان لضمان استمرار الأوضاع السياسية والحزب الوطنى ونقل سلس للسلطة قبل 25 يناير.
وكما أشرنا فقد كانت علاقة كل الشخصيات بالدين متواصلة، وأنهم يصلون، واللواء زبادى رئيس ومعلم أشرف يحرص على أن يجد لكل تصرف تفسيرًا فقهيًا، ويلتزم بالصلاة وأشرف أيضًا لكن اللافت أن الضابط أشرف يواظب على الصلاة ويؤمن بالقرآن، باعتباره «كتابًا خطيرًا»، أى أنه يتعامل من واقع النفوذ، أما محاسن زوجة مالك، فهى تصلى بهدف الدعاء على زوجها، كما أنها لاتتردد فى اللجوء للسحر بحثًا عن أدلة خيانة زوجها. وفى المقابل فإن الضابط أشرف بعد أن يفقد نفوذه على زوجته بعد أن يصاب باللعنة يعيد النظر فى كون علاقتهما ليست علاقة خضوع وإنما تحكمها المصالح. السياسة فى خلفية الأحداث، وأيضًا الحب والغرائز والطموحات والأحلام حاضرة، لدى الشخصيات الأساسية، وتتوازى مصائر الشخصيات وتتقاطع فى لحظات فارقة. ومثلما يشكل النفوذ نقطة الارتكاز فى «الدائرة السوداء»، فإن النهاية المفتوحة تشير إلى احتمالات مختلفة لمصائر الشخصيات الأساسية الضابط أشرف العمرى، والدكتور مالك وبينهما ليلى.
الدائرة السوداء رواية تترك الكثير مابعد نهايتها، وبالرغم من أن السياسة تبدو فى الخلفية، فإنها أيضًا تحكم مستقبل أبطالها. بما فيهم خلف الساكت.