هناك مشكلات وقضايا يحلها القانون، وقضايا أخرى تحتاج بجانب القانون إلى مواجهة اجتماعية وثقافية، نقول هذا بمناسبة موافقة اللجنة الدينية قى البرلمان على تغليظ عقوبة الفتوى بدون تصريح، لتصل إلى الحبس 6 أشهر والغرامة 20 ألف جنيه، فى مشروع قانون تنظيم الفتوى الجديد، ويقصر المشروع ممارسة الفتوى العامة عبر وسائل الإعلام على المصرح لهم من الجهات المذكورة فى المادة الأولى التى تنص على «يحظر بأية صورة التصدى للفتوى العامة إلا إذا كانت صادرة من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف، ومن هو مرخص له بذلك من الجهات المذكورة».
ربما لا يعرف كثيرون أن لدينا قانونا ينظم هذا الأمر ويعاقب على الفتوى من دون ترخيص، لكن وجود هذا القانون لم يمنع فوضى الإفتاء، التى ترتبط بمصالح ولا تهدف إلى تنوير الناس، وما تم فى مشروع القانون هو إدخال تعديلات على القانون الحالى، ربما نكون بحاجة إلى تنظيم الفتوى، وتحديد جهاتها، ومن لهم الحق فى الإفتاء، خاصة أننا واجهنا خلال عقود فوضى عارمة فى الفتوى، جعلت كل من هب ودب يتصدى للإفتاء فى أى من الشؤون.
تبقى هناك الكثير من النقاط التى لا تجعل القانون وحده كافيا لمواجهة فوضى الفتوى، ومئات الدعاة من كل المشارب والاتجاهات، تحولوا إلى مراكز قوة وتأثير فى العامة، وهؤلاء يمثلون شبكات مصالح ودعاية. وهؤلاء أسهموا خلال سنوات فى التقليل من قيمة المؤسسات الكبرى كالأزهر ودار الإفتاء، ولا شك أن تقنين الفتوى من شأنه أن ينتزع من هؤلاء مزايا وسلطات تكونت على مدى عقود.
وبالتالى يتوقع أن يخوض تجار الدين حربا ضد الأزهر ومؤسسات الفتوى، ويعتبرون الإفتاء من بين حقوق التعبير، حتى لو كانت تتعلق بحياة الناس ومصائرهم، يضاف إلى ذلك أن التأثيرات الأكبر لدعاة التطرف، لا تتم فى مساجد معتمدة أو جوامع، وإنما تجرى فى منازل أو داخل جدران، وبالتالى لا يمكن منع الأشخاص من مقابلة بعضهم، ناهيك عن أن الأفكار المتطرفة والتكفيرية والطائفية، تنطلق من منصات إعلامية ودعائية كثيرة، بعضها يستهدف الأزهر والإفتاء بهدف التشكيك فيها. وبالتالى فإن الخطوة الأولى هى إعادة الهيبة لمؤسسات الفكر الدينى، ومنحها الاستقلال وتدعيم مجهوداتها فى الحوار وتعدد الآراء، وانتزاع فتائل التكفير والطائفية والمذهبية.
القانون يكون مفيدا وحاسما إذا كان جزءا من مشروع ثقافى واجتماعى وليس فقط دينيا، يبدأ من الفصل بين ما يتعلق بالفتوى فعلا، وبين ما يتعلق بحياة الناس والمعاملات، وإعلاء قيمة الحوار والأهم من الفتوى هو مواجهة فوضى العلاج بالرقية والخزعبلات وكلها تنتشر بسبب ارتفاع أسعار العلاج، وعجز فئات عديدة عن تحصيل حقهم فى العلاج فيلجأون للسحر والشعوذة.
الحل فى منح الأزهر ومؤسسات الفكر الدينى الاستقلال وإعادة الهيبة للإفتاء، باعتباره شأنا خطيرا، وليس مجرد كلام.