حلول جميع مشاكلنا موجودة بالتفاصيل وخطط العمل، أين؟ فى مراكز البحوث. ولو أردنا فعلًا لتحولنا من دولة متخلفة تجاهد لتحقيق نسبة نمو تتجاوز الثلاثة بالمائة وتستورد أكثر من تسعين بالمائة من احتياجاتها إلى دولة كبرى باقتصادها وعناصر قوتها الناعمة والصلبة.
مصر أسيرة غياب الرؤية التى تقدم العلم والبحث العلمى على ما سواها، وتراهن على إيجاد الحلول لجميع المشكلات وإدارة جميع أزماتنا واستشرافها قبل وقوعها بآليات البحث العلمى، ولننظر إلى دول مثل الهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وإسرائيل، كيف حققت التقدم فى مختلف المجالات خلال عدة عقود، بينما نتخبط نحن فى نهضتنا المتعثرة منذ أكثر من مئتى عام؟ لأن تلك الدول اعتمدت على المنهج العلمى فى إدارة كل أمورها ومشكلاتها وليس الفهلوة أو الخطب العصماء والكلام الإنشائى الفارغ.
منذ عدة أسابيع خرج علينا علماء الزراعة باقتراح زراعة القمح مرتين فى العام لتحقيق الاكتفاء الذاتى باستخدام تكنولوجيا معمول بها فى بعض دول العالم تتعلق بتبريد تقاوى القمح بنسبة معينة للحصول على النتائج المرجوة، وكان العالم الراحل أحمد مستجير يحدثنا باستمرار عن نجاح علماء كلية زراعة القاهرة فى استنباط نوع من الأرز المصرى المعروف بشراهته للمياه يمكن زراعته على نبات البوص الذى يعيش بالمياه المالحة، وأننا يمكننا زراعة منطقة الملاحات فى الإسكندرية بالأرز، وغيرها كثير من الأفكار والحلول المتعلقة بما نعتبره أزمات مستحكمة.
السؤال الآن، لماذا لا يشغلنا البحث العلمى ومجالاته وما يمكن أن يقدمه من حلول فورية لما نواجهه من أزمات بدلًا من الجدل الفارغ حول تجديد الخطاب الدينى، وهل نصلح الأزهر أم نبقى عليه يدرس مناهج تحض على التطرف؟ حسم موضوع تجديد الخطاب الدينى يمكن أن يتم الآن وفورًا بتطبيق القانون على من يسممون أدمغة الناس وينشرون فتاوى التطرف وينشئون المعاهد الضرار لتدريس ما يسمى بالعلم الشرعى فى المحافظات، تحت سمع وبصر أجهزة الدولة ويتلقون ملايين الدولارات من قطر وشيوخ الوهابية لإنشاء حواضن الإرهاب.
أما ما يجب أن ننشغل به وأن نوليه الاهتمام الأكبر فهو البحث العلمى وميزانياته ومشكلاته، والعقبات أمام ازدهاره فى مصر وعدم اعتماد الحكومات المتعاقبة عليه فى التصدى للأزمات التى تواجه الدولة، وكذا كيف يمكن أن تتحول مصر من دولة كبرى فى هجرة العقول وطردها ومطاردتها وإهمالها إلى دولة جاذبة للعلماء والباحثين ومنتجة لبراءات الاختراع، وقادرة على تفعيل مخرجات مراكز البحوث.
هذا هو السؤال الوجودى بامتياز، نكون بالبحث العلمى أو لا نكون.