واقعة الشيخ سالم عبدالجليل، بتكفير المسيحيين واليهود، ثم هجوم الكاتب والأديب يوسف زيدان، ضد أحد الرموز التاريخية صلاح الدين الأيوبى، وما يأتى به وجدى غنيم ورفاقه، من فتاوى التكفير والحث على القتل، وما يسوقه إسلام بحيرى ورفاقه، من تسخيف وتسفيه للتراث بشكل عام تحت شعار «التنقية والتطهير»، سيناريو قديم، يُثار كل فترة، بنفس المشاهد المتشابهة إلى حد التطابق.
لذلك لم أفاجأ، أو أنزعج خلال الساعات القليلة الماضية من فتوى الشيخ سالم عبدالجيل بتكفير كل ما هو غير مسلم، ثم وصف الكاتب والأديب يوسف زيدان، لرمز تاريخى فى قيمة وقامة صلاح الدين الأيوبى، «بالحقير» لأننى كتبت مقالًا يوم 3 إبريل 2015، أى منذ أكثر من عامين، عن أن المنابر يتحكم فيها، إما وجدى غنيم، بكل تطرفه، أو إسلام بحيرى بكل تسخيفه وتسفيهه، تناولت فيه نفس المشاهد التى وقعت الساعات القليلة الماضية، وكأن الواقع الحالى مستنسخ من نفس الوضع الذى مر عليه أكثر من عامين، بذات التفاصيل الدقيقة ومتناهية الصغر قبل الكبيرة، ومن ثم فإن الأمر عرض مستمر طالما لا يوجد نية حقيقية وحشد للهمم والعزيمة، لتجديد الخطاب الدينى، دون مغالاة، أو تسخيف، وأن الأمر سيستمر مستقبلًا، وسيصبح هناك العشرات من وجدى غنيم وسالم عبدالجليل، فى مقابل العشرات من إسلام بحيرى ويوسف زيدان.
وتعالوا نقر ونعترف، من خلال الوقائع والأدلة التاريخية، أن البيئة المصرية، «حُبلى» بالتطرف وليس التسامح كما ندعى ونطنطن، ونعود بالذاكرة إلى كهنة أمون رع، الذين نثروا بذور وسماد التطرف فى الأرض المصرية، فأصبحت خصبة وقوية فى الدفع بمحاصيل التعصب والغلو، وظل كهنة «آمون رع» «أبوالآلهة» عند المصريين القدماء، على مر العصور هم الصوت الوحيد والأقوى، والمتحكم فى مصير الأشياء والعباد، ولا صوت يعلو فوق أصواتهم.
كهنة أمون رع، حاربوا ونكلوا بأخناتون الذى جاء مبشرًا بديانة التوحيد، فهاجر وترك لهم طيبة «الأقصر» وتوجه إلى تل العمارنة فى المنيا، ثم ناصبوا العداء الدامى لسيدنا موسى، ثم قرروا تأليه الفرعون، والتبشير بديانته، وعند دخول المسيحية مصر، تخصبت من سماد التطرف، لتصبح كنيسة الإسكندرية الأكثر تطرفًا، عكس الكنيسة الغربية، وما حدث فى المجمع المسكونى منذ قرون، يشيب له شعر الأجنة فى بطون الإمهات، عندما مارست كنيسة الإسكندرية، التهديد والترويع وفرض أفكارها بالقوة حينذاك، وعجبًا عندما تجد رجال الدين بالكنيسة المصرية يرتدون «الزى الكهنوتى الأسود»، بينما يرتدى نظرائهم فى الكنيسة الغربية، ومقرها الفاتيكان «الزى الأبيض»، مهما كانت المبررات والعلل الكنسية والتاريخية.
وعندما دخل الإسلام مصر بمدارسه المختلفة ومنها المدرسة الفاطمية، دشنوا للغلو والتعصب، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبى، نكل بالفاطميين أيما تنكيل، ودشن للمغالاة فى الدين بشكل لافت، واستمر الحال حتى ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية عام 1928، واتخذ التطرف منحى أخطر، وشوه صحيح الدين الإسلامى، وصورته السمحة، وزادت عملية التشويه مع وصول الجماعة للحكم، فسطروا عامًا أسود، ليس على صفحات تاريخ مصر فحسب، ولكن على صفحات التاريخ الإسلامى كله.
وولدت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية، عشرات الجماعات والتنظيمات المتطرفة والأكثر تشددًا، من الجهاد والتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية، والقاعدة وداعش وجبهة النصرة وأحرار الشام، وشهداء الأقصى، وأنصار بيت المقدس، وحسم، ولواء الثورة، وغيرها من التنظيمات والجماعات، التى دفعت أيضًا بمئات التكفيريين، والمتعصبين، والمتطرفين، من عينة أبوبكر البغدداى وأيمن الظواهرى ومحمد بديع وحازم أبوإسماعيل، وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد، ووجدى غنيم، وأبوإسلام، وصفوت حجازى، وغيرهم من الذين أرسوا مبادئ جديدة للدين، تتكئ على الحرق والقتل والتفجير واغتصاب النساء، والجهاد فقط فى بلاد المسلمين.
وعلى النقيض رأينا شخصًا آخر، يدعى إسلام بحيرى، حمل لواء التنوير، ثم ما لبث أن حصل على فرصته وتمكن، فتحول وصار أكثر غلوًا وتطرفًا من عاصم عبدالماجد ووجدى غنيم، وسالم عبدالجليل فى وجه آخر، وهو التسفيه والتسخيف والطعن فى الصحابة، وكتب السّنة، والتشكيك فى الثوابت، وتبنى خطابًا «استهزائيًا»، من الأئمة الأربعة، ووصف الإمام أحمد بن حنبل «بحمادة».
نهج إسلام بحيرى، من الهجوم الحاد وغير المبرر على الصحابة، يصب فى مسار الشيعة المتطرفين والمتعصبين، أيضًا، ويثير البلبلة، لأن تنقية كتب التراث، وتطهير الخطاب الدينى من كل شوائب التطرف والمغالاة، لا يمكن أن ينطلق من قاعدة التسفيه والتسخيف من الصحابة والتابعين، والتشكيك فى ثوابت الدين، ولكن من خلال تبنى خطاب هادئ ومحترم، ومتأدب، لكى يصل ويقتنع به الناس، ولا يمكن أيضًا أن يمر عبر بوابة الكاتب يوسف زيدان، الذى زاد الطين بلة، عندما وصف رمزًا تاريخيًا، صلاح الدين الأيوبى «بالأحقر» فى التاريخ.
نعم وجدى غنيم ومحمد حسين يعقوب وسالم عبدالجليل، وغيرهم من المشايخ، يصرخون فى الناس، ويهددونهم ويتوعدونهم بالويل والعذاب، ويقابلهم فى نفس الوقت، وبنفس نبرة الصراخ إسلام بحيرى ورفاقه، للتسفيه والتسخيف والتعالى وعدم احترام المخالفين لهم فى الرأى.
والخلاصة، أنا لا أرى فرقًا بين من يكفرنى ويقتلنى ويحرقنى من أمثال بديع وجماعته، وعاصم عبدالماجد ووجدى غنيم، وسالم عبدالجليل، وبين من يسفه ويسخف، ويشكك فى ثوابت الدين والعقيدة، ويهين الصحابة والتابعين من أمثال إسلام بحيرى وفرقته، ويوسف زيدان وصحبته.
إسلام بحيرى ويوسف زيدان، هما الوجه الآخر من عملة وجدى غنيم، وسالم عبدالجليل، ووسط هذا الفريق، وذاك، اختفى دعاة الاعتدال المبشرون بالسماحة والرفق واللين، ونسأل: ألا يوجد بيننا مبشرون بالوسطية، وإظهار الوجه السمح الحقيقى للدين؟!