قد تستقبل العشاق ليتمتعوا بالحياة، تستقبل جسد الإنسان المرهق بعد عناء العمل، تستقبل الهاربين من الأحاسيس المؤلمة، تستقبل أوجاع المرضى، تستقبل الخائف، وتستقبل أحلام الإنسان الذى يطمح فى الحياة. وتستقبل وتستقبل وتستقبل.. تستقبل الكاذب والصادق.. تستقبل الخائن والتائب، تستقبل الكريم والبخيل وتستقبل الأطفال والشباب وكبار السن..إلخ إذن فهم يلجأون إليها فى مختلف حالاتهم وأحاسيسهم ولا يخافون أن تتفهمهم بالخطأ أو تردهم مكسورى الخاطر بعدما لجأوا إليها.. نعم، إنها أحضان الجماد الذى يساند الإنسان.
وتتنوع هذه الأحضان من البساطة إلى الفخامة طبقاً للحالة الاقتصادية للإنسان. فنجد بعضهم سريره من ذهب، والبعض الآخر من خشب، وغيره من حرير وغيرهم سريره مكسور...إلخ، ولكنه فى النهاية هو السرير بجميع أنواعه يفتح أحضانه لصاحبه ليصل به فى النهاية إلى النتيجة، وهى (الهدف من اللجوء له).. ولكن هل الإنسان يستطيع أن يكون سريرًا لمن حوله؟
إن علم النفس لا يبحث فى الجماد، ولكنه يبحث فى عالم النفوس البشرية وما يحيطها، ولذا اختار فى هذا المقال (أحضان السرير)، ليوضح مدى أهمية احتياج النفس البشرية لمن يفتح لها أحضانه فى كل الأوقات. فى وقت الفرح أو الحزن، وقت الشدة أو الرخاء، وقت المرض أو الصحة، وقت الأحلام أو الإحباط، ووقت ارتكاب الأخطاء ووقت المكافأة على الإنجاز والتفوق.. ولذا إن استطاع إنسان أن يكون متقبلاً لإنسان آخر على الطبيعة البشرية التى تحتوى كل المتناقضات، فليعلم أنه يمتلك أصدق وأرقى ما يمكن أن تمتلكه نفس بشرية.. ولأن علم النفس يؤمن جيداً بأن الخالق عز وجل خلق كل الكائنات الحية بقدرات وطاقات معينة، ولذا فالنفس البشرية ليست ملاكًا وليست جمادًا لأن لها من الطاقة ما يمكن استنفاذها، فلم يجبر عليك كإنسان أن تكون كسرير النوم لكل البشر ولكن إن استطعت أن تصبح هكذا للمحيطين بك على الأقل وتستقبل أفراحهم وأحزانهم ومميزاتهم وعيوبهم على أنهم بشر وليسوا ملائكة، فبالتالى استطعت أن تصل بنفسك لقمة الصحة النفسية، لأن احتواء الآخر والترقى فى النظر لأمور الحياة مفيد لصاحبه أولاً ومن ثم للآخرين.