بدأت الهيئة الوطنية للصحافة عملها على قدم وساق لإقرار التغييرات الصحفية التى طال انتظارها فى المؤسسات القومية، ولعل كل المهتمين ينتظروا أن تكتمل كافة أركان الجهات المعنية بتنظيم الإعلام بتأسيس نقابة الإعلاميين، وانطلاق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام.
الكل ينتظر من هذه الكيانات الأربع بالإضافة لنقابة الصحفيين أن تبدأ فورا فى العمل على القضايا العالقة فى مجال الإعلام، نظرا لحساسية وأهمية وقدرة الإعلام على التأثير فى الوعى العام، وتشكيل استقبال المجتمع للقضايا والتحديات التى تواجه مصر فى ظل الظروف الاستثنائية التى تمر بها المنطقة بأثرها.
لقد شهدت الساحة الإعلامية خلال السنوات الماضية الكثير من التجاوزات المهنية التى ألقت بظلالها على الرأى العام، وأثرت بشكل مباشر وواضح فى المشكلات التى تواجه الدولة المصرية، حتى أن بعضها اختلق أزمات من العدم، فهل تستطيع هذه الكيانات ضبط الأداء الإعلامى المعيب، وتقويم ما تم إفساده .
أرى أن أبزر ما يواجه هذه الكيانات هو تشوه المفهوم الوظيفى للصحفى والإعلامى، واختلاط هذه الوظيفة بعدد من الوظائف الأخرى، فعلى سبيل المثال التحق بنقابة الصحفيين عدد غير قليل من "النشطاء السياسيين" باعتبارهم صحفيين، وأدى ذلك إلى استحداث ظاهرة "الصحفى المناضل" وصارت نقابة الصحفيين تعانى من تيارات سياسية تتحكم فى كل قضاياها، وذلك بعد أن ألحقت لجان القيد السابقة لأسباب واعتبارات كثير - لن أخوض فيها الآن - ألحقت بعض ممن لا ينطبق عليهم شروط العمل الصحفى، وقد ألقى ذلك بظله على مناخ العمل الصحفى نفسه، فاصطنعت هذه الفئة تشوها كبيرا فى العمل الصحفى، بسبب عجزهم عن فهم الفارق بين الرأى والخبر والمعلومة، وأنهم أصبحوا يمارسون العمل الصحفى بالطريقة الحنجورية كما كانوا يقومون بدورهم النضالى المزعوم فى الشارع، لا مؤهلات تحكمهم أو أبسط مهارات العمل الصحفى تنطبق على إنتاجهم، لكن فوجئ الرأى العام بهم يتصدرون الصورة على حساب شباب الصحفيين الأكفاء الأكثر وعيا بقواعد العمل الصحفى والتوثيق .
هذه الظاهرة وغيرها استطاعت أن تختلق مشكلات فى المجتمع لا حصر لها، وهى ظاهرة كان من الممكن مواجهتها بتطبيق صارم لمواثيق العمل الصحفى، وطبقا لقانون نقابة الصحفيين، والتى تتيح للنقابة تقويم الصحفيين الذين ينحرفون أخلاقيا ومهنيا، ولكن للأسف لم تقم لجنة القيم فى النقابة بدورها بشكل أدى إلى تعطيل ميثاق الشرف الصحفى وتحويله إلى ورقة لا يلتزم بها أحد .
تحتاج هذه الكيانات إلى مواجهة "الصحافة الصفراء" والتى امتدت وألقت بظلالها على القنوات الفضائية التى تعرض مواد لا أساس لها من الصحة وتشوه وعى المتلقى .
كيف ستتصدى الكيانات الجديدة للمؤسسات الإعلامية التى تتورط فى نشر معلومات غير موثقة أو تقوم بالتحريض ضد مؤسسات وأشخاص بعينهم .
أضف إلى كل هذه المشكلات العامة، القضايا التقليدية مثل حل نزاعات الصحفيين مع الصحف الحزبية والخاصة والتى تلاعبت بهم وتبطش وتفصل تنكل بهم وتهددهم بالطرد، وصحف "بير السلم" التى تستغل شباب الصحفيين ثم تورطهم فى مواقف قانونية دون أى سند أو دعم لهم فى القيام بمهامهم الصحفية .
لعل الوقت هو الذى سيجيب عن مدى قدرة هذه المؤسسات على ضمان تحقيق مناخ عمل أفضل يعيد للإعلام مجده المفقود.