كلما قابلت زميلًا أو صديقًا أو قريبًا، وتجاذبنا الحوار فى الشأن العام، يكون ختام الكلام خاليًا من أى جرعة تفاؤل بسبب الحالة الاقتصادية.. فى الأيام الماضية قال لى أكثر من شخص نصًا: «مفيش أى حاجة تبسط»، دار الكلام بيننا حول ضيق الحال، وعدم القدرة على التدبير، والعجز عن مواجهة أعباء الحياة اليومية.
هذا الأمر هو ما يشغل معظم الأسر المصرية، لأن حاصل جمع مصاريفها اليومية أصبح فوق طاقتها، فالموظف الذى يحصل على راتب شهرى ثابت لم يعد يستطيع أن يختم شهره بأمان، وهؤلاء تحديدًا أكثر الفئات المتضررة، كما أن صاحب أى مهنة حرة لم يعد يستطيع ضمان عمل يومى له، كما كان من قبل، وحتى أصحاب المشروعات التجارية تزداد شكاواهم، لأن معدلات تجارتهم التى تدر عليهم ربحًا قلت كثيرًا عما كانت عليه من قبل.. الخلاصة أن الشكوى أصبحت عامة، والكل يسأل: إلى متى يستمر هذا الحال؟
ستزداد المأساة بصورة أكبر لو حدثت زيادات جديدة، ووفقًا للزميلة «الشروق» فى عددها الصادر أمس، فإنه سيتم رفع أسعار الوقود الجديدة قبل نهاية شهر أغسطس المقبل، وأن الزيادة تتراوح بين 25 و40%، وحسب التقرير المنشور فى الصفحة الأولى، فإن الزيادة تستهدف خفض فاتورة الموارد البترولية خلال العام المالى المقبل، التى قد ترتفع لتتخطى حاجز الـ145 مليار جنيه فى حالة عدم زيادة الأسعار، وأن هذه الزيادة ستسير بالتوازى مع زيادة أسعار فواتير الكهرباء.
هذه الأخبار تتزامن مع شهادة الثقة التى منحها صندوق النقد الدولى للاقتصاد المصرى، باتفاقه مع الحكومة على صرف الشريحة الثانية من القرض، غير أنها بالنسبة للمواطن العادى تجلب معها تعاسة بالغة، فرفع سعر الوقود يؤدى بالتبعية إلى ارتفاع فى سعر باقى السلع وسعر المواصلات، وبنظرة واحدة إلى أسعار السلع حاليًا، وشكوى الأسرة المصرية من عجزها على مواجهاتها، يدفعنا إلى تخيل ماذا سيكون عليه الأمر فى حال تنفيذ هذه الزيادات المتوقعة.
لو حدث وتمت هذه الزيادة- وهذا هو الأقرب للتوقع- سنكون أمام حكومة تصر على زيادة أعباء الفقراء بطريقة رهيبة لا يمكن تحملها، ولا تعطى أى اهتمام للتقارير التى تتحدث عن معدلات الفقر فى مصر، وتؤكد أن معدله وصل إلى 27%، من بينهم 57.7% فى الصعيد، بنسبة زيادة 7% على السنة الماضية. وتتحدث هذه التقارير عن أن قرار الحكومة بتعويم الجنيه الذى أدى إلى أن يصل سعره 18 جنيهًا أمام الدولار نتجت عنه تحولات رهيبة بالنسبة للأسرة المصرية، ففوق أن أسرة الموظف الذى يعتمد على تسيير حياته طبقًا لراتبه من عمل حكومى أصبحت عاجزة عن تدبير يومها بشكل آمن، أصبحت أسرة الموظف الذى يعمل فى القطاع الخاص، ويحصل على راتب أفضل مهددة بالفقر.
تحدثت التقارير عن ازدياد فى معدلات الفقر المدقع، وطبقًا لتقرير جهاز التعبئة والإحصاء، فإن متوسط قيمة هذا النوع من الفقر للفرد شهريًا يبلغ 322 جنيهًا فى عام 2015، وتم حساب هذه النسبة فى وقت كان الدولار رسميًا أقل من 8 جنيهات، فما بالنا الآن وقد تم تعويم الجنيه، ووصل انخفاضه المذل أمام الدولار، مما ترتب عليه ارتفاع رهيب فى سعر كل شىء.