«بسم الله وباسم الوطن شديد الحاجة إلى الأيدى العاملة، نفتتح عملنا الجديد. «السفور» صحيفة اجتماعية رأى جماعة من الشباب المفكرين حاجة البلد إليها ماسة، فأصدروها».
«للسفور معنى أشمل مما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الكلمة التى جرت بها أقلام الباحثين فى مسألة المرأة المصرية، ليست المرأة وحدها هى المحجبة فى مصر، ولكنها محجبة نزعاتنا وفضائلنا وكفاءاتنا ومعارفنا وأمانينا. كل شىء عندنا يبدو على غير حقيقته. فنحن أمة محجبة، حقيقتها بادية، منها ظواهر كاذبة لا تتفق مع ما فطرت عليه الأمة فى شىء».
«ينافق بعضنا بعضا، فترى الرجل منا يبغض صاحبه أشد البغض ويحمل له الضغينة، حتى إذا لقيه عانقه عناق المشتاق، وقبله قبلات المتلهف للقاء، فإذا لوى عنه وجهه منصرفا، ودعه فى سره باللعنات القاسيات، بعد أن أكد عليه بحرارة الصديق المخلص ألا يحرمه من طلعته العزيزة كل آن».
«ترى غنيا من الأغنياء يبدد ماله ذات اليمين وذات الشمال، غير عاطف على فقير ولا راث ليتيم فيلعنه الناس فيما بينهم، وفى اللاعنين من يساوى الملعون أو يفوقه فى مساوئه وقد يدخل ذلك المشتوم على شاتميه، فيهبون وقوفا على الأقدام مرحبين به، مفسحين له صدر المكان مثنين عليه عند كل لفظة يفوه بها مفاخرا بأعماله المجيدة وآثاره الحسان، وقد يتعدى الأمر إلى ما هو أدعى إلى الحيرة فى فهم أخلاق قومنا. فقد يدعو ذلك الغنى لاعنيه إلى الفسحة معه، فيتزاحم الكل على مصاحبته ليفوزا ببعض ما يتمتع به من اللذائذ والطيبات وكأنما كان حديث اللعنات حلما وزال».
«ترى قوما يدعون الغيرة على الدين، فيهبون صارخين فى وجه كل طالب إصلاحا من غير أن يفقهوا ما يقول، بل يشتمونه قبل أن يقرأوا دعوته. كل ذلك بحجة الإشفاق على الدين أن تعبث به أيدى الناشئين الأغرار. والله يعلم أن الأغرار المسيئين للدين والدنيا جميعا، هم هؤلاء المدعون المضلون».
هذا جزء من افتتاحية العدد الأول من مجلة السفور التى كتبها عبدالحميد حمدى وصدرت فى 21 مايو 1915، وها هى دار الكتب المصرية تعيد نشرها من جديد، حيث صدر منها المجلد الأولى منذ أيام قليلة بموضوعاته المميزة التى تكشف الكثير من الصراعات الفكرية التى كانت منتشرة فى تلك الآونة، والتى تمثل سبلا مختلفة لمصر التى كانت تفكر فى النهضة فى تلك الفترة المهمة من تاريخ الوطن.