لا يوجد فى البحث العلمى شىء اسمه «التعصب» الباحث هو ذلك الكائن الذى يبحث عن الحقيقة ولا شىء سواها، ليس من مصلحة أحد أن يتبنى موقف شخصية تاريخة ما، وليس من مصلحة أحد أن يحكم على شخصية تاريخية بالموت أو الإحياء، الباحث هو ذلك الكائن الذى يقرأ ويستقرئ ويكشف الملابسات ويضع كل عصر فى عصره، لا يحكم على أحد بمعيار أحد، لا يحكم على زمن بمعيار زمن آخر، لا ينظر إلى الحكام أو الدول أو المذاهب باعتبارها «أهلى وزمالك» لا يتبنى خصائص القبيلة فيعادى هذا، لأنه ليس من بنى جلدته العرقية أو الفكرية، ويحابى هذا لأنه يقف معه على ذات الأرضية أو فى ذات الصف، كل هذه شروط يجب أن يراعيها الباحث فى حديثه عن التاريخ، ليس لأن الباحثين «مجرد آلات» وإنما لأن الباحثين أهل الحقيقة، والتعصب أول درجات الزيف، التعصب أو الطريق إلى الضلال، التعصب خلق دميم، لا يليق بالباحث وأنما يليق بالمراهق فحسب.
لعلك تسأل: لماذا فرضت آليات البحث العلمى كل هذه الشروط على الباحثين؟ والإجابة يسيرة، وهى أن الغرض الأساسى من البحث العلمى هو دراسة التجارب الإنسانية والاستفادة من النتائج، النهائية، ولأننا بشر، فلا يوجد بشرى واحد فى الكون كامل أو منزه عن الخطأ، وإذا ما تعصبت إلى أحد على حساب أحد ستجد نفسك متحملا لهفوات الذى تعصبت إليه مدافعا عن زلاته، متجاهلا حسنات الذى تعصبت ضده مضخما جرائمه، وبين التبرير والتضخيم، تضيع الحقيقة ويتوه الحق.
المراهقون وحدهم، هم الذين يرتكبون جناية الانحياز إذا ما طالعوا قصة حياة شخص أو كشفت لهم من المعلومات ما كانوا عنها جاهلين، المراهقون وحدهم هم الذين يرون الحياة «أبيض وأسود» غير مدركين أن التعدد هو القاعدة الكونية الأكبر وأن لكل حدث ملابسات متعددة ربما تجبرك أنت شخصيا على ارتكاب ما تأنف منه، المراهقون وحدهم هم الذين يتحزبون ويتعصبون فتكثر صداماتهم وتتعدد صدماتهم، المراهقون وحدهم يتخذون موقفا معاديا من شخص بناء على موقف أو على كلمة أو على واقعة، المراهقون وحدهم هم الذين يصولون ويجولون ويسبون ويشتمون لأنهم عرفوا أن «الأرض كروية» أو أن صلاح الدين الأيوبى لم يكن ملاكا فيصبون عليه وابلا من اللعنات.