لا تترك لأحدهم فرصة أن يأكل قلبك بالفزع، لا تدع هؤلاء المنثورين فى شوارع «الفيس بوك» و«تويتر» يربحون معركة تخويفك وإفزاعك، ولا تدع صمت الحكومة وبخلها عن «بل ريقك» بحقيقة الوضع أو طريقة الحل دافعاً لك لنشر الرعب والفزع والإيمان بعبارات من نوعية «رايحين فى داهية» و«هنجوع»، و«ثورة جياع».. إلى آخر تلك القصيدة الكافرة التى تهدف إلى نشر الخوف.
الوطن الخائف يا صديقى أضعف من الوطن الجائع، الشوارع التى يسودها الفزع أكثر ارتباكاً من الشوارع التى يندر بها الدولار ويرتفع سعره، لذا لا تسقط فريسة لمحاولات نشر الفزع فى مصر.
كنا نعرف ويكذب عليك من المعارضين والمسؤولين والنشطاء من يقول لك إنه لم يتوقع هزة اقتصادية كبيرة بعد كل ما حدث فى السنوات الأخيرة بداية من الإرهاب، ومروراً بالسياحة، ثم المصانع المغلقة نهاية بوضع التجارة الدولى الراكد اقتصادياً أصلاً.
أنا لا أبرر وضعاً اقتصادياً بائساً، أنا أخبرك بواقع يتراكم أمام أعيننا على مدى السنوات الماضية والحكومات المتعاقبة تفشل فى التعامل معه، ولا تجيد ترتيب أولوياتها، ولكن فى نفس الوقت أحذرك مما هو أخطر من الوضع الاقتصادى أحذرك من الفزع الذى لا تنمو معه استثمارات ولا تنفع معه محاولات تنمية.
طريقة تفكير مخيفة تدفع الصحف ووسائل الإعلام للإعلان بحماسة عن مخططات إرهابية ودمار قادم وخراب منتظر، هل تتخيل أن وطناً يعيش وضعاً اقتصادياً صعباً وتطارده آثار الإرهاب التى تمنع السياحة فى حاجة إلى أخبار مفزعة بهذا الشكل وبدون أدلة واضحة، خاصة وهو يقاتل أمام الدولار، تلك العقليات تهوى بالوضع الاقتصادى إلى الأسفل، مثلها مثل الحكومات التى لا تتخذ خطوات سريعة لمواجهة أزماتها.
شريف إسماعيل صامت هنا، بينما هناك فى الجزائر لم يصمت عبدالمالك سلال، بل تحرك وقدم حلولاً تمهيدية حتى يخرج من أزمة مشابهة ضربت الجزائر بعد حالة الركود فى سوق النفط العالمية وارتفع سعر الدولار فى مقابل الدينار الجزائرى.
منذ ٣ سنوات واجهت الجزائر أزمة فى الدولار بسبب تراجع إيرادات النفط الذى يشكل المورد الرئيسى للبلاد من العملة الصعبة، مع الروائح الأولى للأزمة تحركت الحكومة الجزائرية وقررت تقليل الواردات من عدة سلع، على رأسها السيارات، وخلال شهر مايو الماضى، منحت الحكومة تراخيص استيراد السيارات لـ40 وكيلاً فقط، من بين 80 طلباً تم التقدم بها، وهدد رئيس الوزراء عبدالمالك سلال بسحب تراخيص شركات السيارات فى حال عدم الاستجابة للتصنيع المحلى.
والحصاد أن الجزائر استوردت نحو 47 ألف سيارة فى النصف الأول من عام 2016، بتراجع بلغ %67 عن واردات البلد فى الفترة ذاتها من العام الماضى، بترجمة نقدية فاتورة واردات السيارات فى النصف الأول من العام الجارى بلغت 691 مليون دولار، مقابل 2.13 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2015. وحسب توقعات وزارة التجارة الجزائرية فإن قيمة استيراد السيارات لن تتخطى عتبة المليار دولار خلال 2016، مقابل 3.14 مليار دولار فى 2015، و5.7 مليار دولار فى 2014.
هكذا الأمر ببساطة، أزمات اقتصادية واردة الحدوث، ولكن الفرق فى حكومة تتحرك وحكومة صامتة، الفرق فى شعوب تجتهد فى النهضة بالتصنيع المحلى، وشعب مصر الذى يجتهد نصفه لاستغلال الأزمة والمضاربة على الدولار حتى لو تم ذلك على حساب جثث الغلابة، بل وجثة الوطن ذاته.