سنوات كثيرة نتحدث عن التعليم، وأهميته للتقدم، وكيف أن الدول التى بدأت نهضتها معنا سبقتنا لأنها استثمرت فى التعليم. نظريًا لدينا الكثير من الخطط والتصورات. وليس أسهل من الكلام، لكن الفعل وضربة البداية هى الأصعب. التعليم عندنا أقرب للطبقات الجيولوجية التى تحتفظ بكل تراكمات العصور فوق بعضها. وربما تكون بداية الحل فى إزالة التداخل والتراكم والطبقات وتخفيف التراكم. الأمر بحاجة إلى شجاعة فى التنفيذ، وأن يكون مشروع دولة ومجتمع وليس وزيرًا.
من يدرك المسافة بين النظرى والعملى، يشعر بالشفقة والتعاطف مع وزير التعليم الدكتور طارق شوقى، وهو يبدو مصرًا على السير فى برنامج كامل للتعليم. الوزير كان عضوًا فى المجلس الاستشارى للتعليم التابع للرئاسة، وسبق وأن استعرض الدكتور أحمد عكاشة ماتوصل إليه المجلس وهو تصور يتضمن كل الأحلام، والخطوات المطلوبة. لكنه يحتاج إلى إرادة حديدية والتفاف كبير للخروج من أوحال الوضع الحالى التى تخنقها تراكمات تجارب فاشلة على مدى عقود.
الدكتور طارق شوقى، يعترف بمشكلات التعليم ويقدم تصورًا للحل، يتوقع أن يواجه مقاومة من مستفيدين وتراكمات صنعت مراكز للمصالح المباشرة من مناهج وكتب خارجية وداخلية وامتحانات ودروس ومطبوعات. كل عنصر من عناصر التعليم، يمثل مجموعة مصالح، ومستفيدين من هذا الحال العشوائى ولها امتدادات داخل وخارج الوزارة. الكتب والمناهج، الامتحانات والدروس والمراكز، وفى المقابل هناك أحوال المعلم والتى تمثل مركز الانطلاق وأساس التقدم.
نحن أمام واحدة من أكثر القضايا أهمية، والعقدة التى إن انحلت سوف تساهم فى فك الباقى. وهذا الكلام لايعنى «التيئيس»، لكن يعنى أهمية أن يساند المجتمع «المشروع» لنكون وضعنا أقدامنا على بداية الطريق. مع الأخذ فى الاعتبار احتمالات العمل ضد المشروع من قبل جهات وأفراد تتعارض مصالحهم مع أى نظام واضح، لأنهم يربحون فى الفوضى.
إنقاذ التعليم مهمة مقدسة لكنها ليست سهلة كما تبدو نظريًا، ويستحق الوزير أن يسانده المجتمع، أن يمتلك الصبر، ويشرح للمجتمع ما ينتوى فعله، ويعرف أن المجتمع تعرض لتجارب كثيرة ولديه عدم ثقة تراكمى.
المجتمع يحتاج أن يفهم ويطمئن إلى أن أى نظام تعليمى سيتيح تكافؤ الفرص والعدالة، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق. والذى يرى الوزير وكثيرون أنه لايحقق خدمة لسوق العمل أو التخصصات المطلوبة. لكنه مايزال الطريقة الأضمن للتكافؤ. كل هذه نقاط تتطلب الكثير من الصبر والإرادة، وأن يحصل المخطط على فرصة، وألا يتم التراجع عنه مثلما حدث مع عشرات التجارب. مهمة إنقاذ التعليم تحتاج الكثير، وتنجح عندما نواجه الأوهام والمصالح بشجاعة.