جلست كعادتى وكعادة العديد من النفوس البشرية فى الساعات الأخيرة من الليل للتأمل والتفكير والتخيل والتمنى والدعاء، فأهدانى الليل صدفة قصيدة إيزيس للشاعر هشام الجخ، لم أكن قد استمعت إليها من قبل، جلست أسمعها وأنا أنظر إلى الكاريزما التى وهبها الخالق لهذا الشاعر فى طريقة الإلقاء، ثم كررت الاستماع لها مرة أخرى واُخرى إلى أن اقترب عدد سماعى لها والتعمق النفسى فى معانيها من عشرين مرة، فى اليوم التالى كان من الواجب على تقدير هذا الإنسان الذى ألهمنى هذه اللحظات فأرسلت له رسالة تقدير لإبداعه فى الكلمات والإلقاء ..
عزيزى قارئ هذا المقال.. لقد اعتدت فى مقالاتى أن يكون لها مغزى عام لصحتك النفسية، وليست مجرد تفريغ لأحداث أو إبداء وجهة نظر، فلا تتعجب لأن هذا المقال أيضا يحمل مغزى نفسى هام جدا، ولكى يصلك هذا المعنى لابد وأن أقول لك أولا إن إيزيس التى قصدها الشاعر هشام الجخ فى قصيدته هى النفس الصادقة فى حبها لحبيبها لدرجة تجعل حبيبها يتعجب من صبرها عليه وقدرتها على التحمل، فيقول ( إيزيس ازاى بتتحمل ؟! اسقى كل بنات الدنيا إلاها .. واما العطش يكوينى القاها هى اللى تسقينى)، ثم يسرد فى عيوبه وطريقة معاملته القاسية معها، ومن ثم جمالها ومميزاتها وطريقة معاملتها الحنونة معه ...... الخ ثم يردد إيزيس ازاى بتتحمل ؟!! ويستكمل هكذا إلى أن يصل فى القصيدة للاعتراف بضعفه أمامها وتقديره لكل مشاعرها برغم أنه فى تلك المواقف التى مرت بينهما لم يكن مقدرا لقيمة هذه المشاعر، ولكنه مع الوقت وعندما ضاقت عليه الدنيا لم يتذكر سوى الحب الصادق النابع من إيزيس ويتعجب ويتساءل قائلا (!! ازاى مش بغنيلها وهى ازاى بتتحمل ؟!! ) .. ( انا المعشوق يا كل العاشقين غيروا .. تحب شيء، جميل طبعاً .. لكن تتحب ده الاجمل )..
اسمح لى عزيزى القاريء بالجولة التى أخذتك فيها لعالم إيزيس الذى قام باستفزاز علم النفس ليكتب مقالا عن إيزيس، اسمح لى أن أقول لك إن احتياج النفس البشرية للحب هو من الاحتياجات الأساسية فى الحياة كاحتياجها للطعام والشراب والهواء، ولكن من الضرورى أن يكون الطعام غير مسمم والماء غير نظيف والهواء غير ملوث، إذن فالحب أيضاً لابد وأن يكون حبا صادقا لكى يكون صحيا كحب إيزيس.. اعرف جيدا عزيزى القاريء إنك الآن تبتسم حيال كلامى، قائلا: " هو بقا فى حب فى الزمن ده !! ده كله بقا مصالح ".. اسمح لى أن أرفض تعميم ما يتجول فى عقلك الآن تجاه الحب، فيمكنك أن تقول أن الحب الصادق موجود ولكن نحن من نرفضه أو لا نقدر قيمته، وأحيانا نقتله بالجفاء أو البعد أو مسايرة لضغوط مجتمعية، وأحياناً لا نصبر عليه، أو نعامله على أنه ملاك وليس بشر فمن المفترض إلا يخطئ ولا يكون به عيب .....إلخ.. ولكن إن أردنا الحب الحقيقى فان احببت، لا تنس انك تحب نفس بشرية، أى خليط من الخير والشر، من الصح والخطأ، من تقلبات المزاج .. وأن وجدت من يحبك بصدق فكن أصدق منه ولا تستهن بمشاعره، فكم من نفوس تألقت، وبفقدان الحب تدهورت ..
عزيزى القارئ أن استطاع أحد الأطراف أن يكون مثل إيزيس فى حبها الصادق، وإن استقبل الطرف الآخر هذا الحب بتقدير مثلما وصفه هشام الجخ فى قصيدته، وخلع ملابسه أمام نفسه ليرى عيوبه السلوكية والنفسية كمعشوق، مقدرا لكل لحظة صدق لها معه، معلناً تخبطاته النفسية فى استقبال حبها.. تأكد أن تقديرك للحب الصادق وتمسكك به، هو أهم ما سيصل بك لقمة الصحة النفسية فى حياتك، أى لإحساسك بالطعم الممتع فى الحياة..