حدث ما توقعناه تمامًا بعد سقطة سالم عبدالجليل، الذى طلع علينا دون داع، معلنًا أن المسيحيين كفار وعقيدتهم فاسدة، وها هو رد الفعل الطبيعى المضاد فى الاتجاه والمساوى فى العنف يتجسد على لسان القس مكارى يونان، فى فيديو معلن: الإسلام انتشر بالسيف والمسيحيون أصل مصر، وكثير من المسلمين المصريين الحاليين أجدادهم مسيحيون ودخلوا فى الإسلام بالتهديد والضغط ولعجزهم عن دفع الجزية.
سالم عبدالجليل ومكارى يونان وجهان لعملة واحدة لا نريدها غالبة ولا شائعة ولا حتى كامنة تحت الرماد، كلا الرجلين يمثلان الغضب العقائدى المكبوت الذى يتم توظيفه فى لحظات معينة لخلخلة البلاد وإلهاء العباد وإثارة فتنة يمكن معرفة نقطة انطلاقها لكن لا يمكن معرفة كيفية احتوائها حال تركها كالنار ترعى فى الهشيم.
ولا يجب أن نشغل أنفسنا كثيرًا بما قاله مكارى يونان ولا بمحاولة تغيير فكره ولا معتقده، فهو جزء لا يتجزأ من التدين الشعبى القبطى فى مصر المحصور فى أحاديث القساوسة لرعاياهم داخل الكنائس للتعزية والطمأنة، مادامت هذه الأحاديث لا تخرج للعلن لإيذاء مشاعر المسلمين، والأمر ينطبق على سالم عبدالجليل، لأن كل دين من الأديان السماوية الإبراهيمية لا يعترف بأى دين سواه، فاليهودية تنكر المسيح والنبى محمد ولا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام، والمسيحية لا تعترف بالإسلام والإسلام يكذب اليهودية والمسيحية.
هناك فرق كبير بين أن يظل الاعتقاد ومحله القلب، داخل المعبد والكنيسة والمسجد، حيث رجال كل دين يسعون للحفاظ على أصحاب الاعتقاد وتمييزهم عمن سواهم، وبين أن يكون الاعتقاد وسيلة لنفى الآخر وتشويهه والاستهزاء به أو احتقاره وإرهابه، الحالة الأولى طبيعية وتجسد معنى التعايش رغم الاختلاف، والحالة الثانية مصطنعة وموجهة لاستهداف المجتمع وتدميره، وأمامنا الاختيار بين أن نساهم فى الحفاظ على مجتمعنا والتأكيد على مفهوم التعايش رغم الاختلاف وبين أن ننساق وراء دعاة الفتنة عن عمد أو عن جهل وفى هذه الحالة لن نكون أقل إجرامًا منهم.
من هنا، فلا يوجد داع مطلقًا لتجريم يونان مكارى أو التلويح بإهدار دمه ومعاقبته على ما قال، بل الأجدى نصحه وإرشاده بالتفرقة بين ما يقوله لرعاياه فى الجلسات الدينية داخل البطرخانة القديمة وما يطرحه فى العلن، باعتباره رجل دين مسيحيًا محسوبًا على كنيستنا الأرثوذكسية، ومن ناحية أخرى، علينا البحث فى الأسباب التى دعت سالم عبدالجليل فى قول ما قال، ولماذا الآن؟ وما الداعى له؟ ونصحه وتحذيره بضرورة التفرقة بين ما يقوله داخل المسجد لمن يستمعون له، إذا صعد المنبر مجددًا، وبين ما يعلنه على الملأ، باعتباره رجل دين مسلم محسوبًا على وزارة الأوقاف.