إذا كان الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل، أى نتيجة الإيمان تظهر فى الأعمال الصالحة التى يراها الآخر حتى يمجد الله الذى فى السموات. وإذا كان الإنجيل والقرآن اتفقا فى هذا وهناك الكثير والكثير المتفق عليه فى الأديان بشكل عام، مع أن الخلاف الموجود هو خلاف طبيعى يخص العقائد والممارسات التعبدية والطقسية، ولكن لأن الأديان جوهرها واحد وهى إرادة الله فقيمها وأخلاقياتها وأصولها ومقاصدها تهدف إلى تكريم الإنسان والحفاظ على حياته وماله وعرضه واحترامه، كما أن تلك القيم وهذه الأصول تدعو إلى الحب والتسامح والسلام، نعم هناك حوادث ووقائع تخص الزمان والمكان فيها اختلاف.
نعم هناك تفاسير واجتهادات وتأويلات توجد الخلاف، بل الاختلاف الذى يصل إلى حد التشاحن والتصارع، ولكن هذا وذاك هو فكر دينى أى فكر البشر فى تفسير النص، وهذا الفكر البشرى ليس مقدساً ولن يكون قائله مقدساً أيضاً، وهنا نرى أن هذا التطاحن، وذلك الصراع ليس بين أصحاب الأديان المختلفة، بل نراه بين أصحاب الدين الواحد نتيجة لهذا الفكر، فهناك صراع بين السنة والشيعة كان ومازال وهناك صراع بين الكاثوليك والبروتستانت ومازال، وإن اتخذ هذا الصراع أشكالاً متعددة فهل الدين يحرض على ذلك حتى تكون الحياة صراعا وقتلا وسحقا؟ هل أراد الله بخلق الإنسان وتكريمه وإيجاد الأديان بقيمها وتعدديتها أحداث هذا الصراع أم إيجاد الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة؟ أم أن التعددية هى إثراء للفكر ودعوة للحوار الهادئ الموضوعى الذى يحترم الآخر ويحترم دينه حتى يحترم كل منا الآخر؟ نعم كل صاحب دين يؤمن بصحة دينه وصحيح عقيدته، وأنه هو الفرقة الناجية، ولكن هذا لا يعنى على الإطلاق الإساءة والازدراء للآخر الدينى أو غير الدينى. «إنما ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» «حبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»، ولا نزيد على ذلك، فهل هذه الوصايا وتلك التعاليم تدعو إلى القتل والحرق والسحق والإهانة والازدراء؟ إذن لماذا يحدث ما نراه هنا وهناك ممن يدعون ويتصورون أنهم يدافعون عن الأديان؟ وهل الدفاع عن الدين يكون بالإساءة للآخر غير الدينى؟ أليس الآخر يؤمن بدينه مثلك ويؤمن باله واحد نظيرك؟ ما يحدث لا علاقة له بصحيح الأديان برغم اختلافها وتعددها.
ما يحدث هو نتاج لفكر دينى خاطئ يتصور أن الله لا يقبل أحدا غير هذا الشخص صاحب هذا الفكر. وكأن الله قد خلق الإنسان وأوجد الأديان حتى لا ينال السماء والجنة غير هذا أو ذاك، وليذهب باقى البشر إلى الجحيم، ولذا فهل ما صدر من عبد الجليل بتكفيره للمسيحيين وأن المسيحية دين فاسد هل هذا هو الأسلوب والحوار الذى يجب أن يكون الذى حض عليه الدين والأديان؟ وهل مناقشة القضايا المختلف عليها وما يسمى بالمقارنة بين الأديان تطرح على الملأ وفى الإعلام؟ وهل هذه الظروف المعاشة والمشحونة بالطائفية والتعصب والتطرف تسمح بتلك الممارسات؟ وهل اللغط والملاسنة والصراع «الفيسبوكى» الذى نراه يتسق مع قيم الأديان ومع سلامة الوطن وسلامه الاجتماعى؟ وهل مادة ازدراء الأديان وبطريقة تطبيقها يمكن أن تحمى الأديان؟ وما معنى تطبيق المادة على البعض وعدم تطبيقها على البعض الآخر؟ وهل ما يقوله برهامى ليل نهار وعلى مدى الساعة من إساءة وتحقير وازدراء للمسيحية وللمسيحيين لا يستحق تطبيق مادة الازدراء؟ وهل التطبيق على أطفال لمجرد تصوير فيديو ضد داعش كان نتيجته حكم بالسجن 5 سنوات هاجروا نتيجة لهذا الحكم تلك الهجرة التى تمثل وستمثل جرح عميقا فى جسد الوطن وضد الآخر؟ فلماذا المحاكمة هنا والتساهل والتغافل هناك؟ وهل القانون يعنى الحياد أم الاستثناء؟ وفى نفس السياق هل كلام مكارى الذى يفهم أنه إساءة للإسلام واسترجاعاً لتاريخ مضى وتأجيجاً لصراع طائفى نعمل على التبرؤ منه هل هذا يتوافق مع قيم المسيحية وتسامحها وحبها؟ وهل القدوة المسيحية تتمثل فى الإساءة للآخر حتى لو أساء إليك؟ وما هو المقصود باستدعاء التاريخ ووضعه فى الإطار السلبى هل هذا يصب فى صالح علاقة المصريين بما يعود لصالح الوطن؟ وما المقصود بتصعيد هذه المواجهة بين عبد الجليل ومكارى؟ فهل هؤلاء وأمثالهم يدافعون عن الدين أم يتاجرون بالدين؟ الدين لا يحتاج لمن يدافع عنه فالله الذى أوجده هو الذى يحميه.
الدين المعاملة والأخلاق الحسنة والحوار الهادئ وقبول الآخر والعمل الصالح والإيمان الصحيح بعيداً عن التدين الشكلى والمظاهر التى تأخذ القشور وتترك الأصول تعنى بالشكل وتسقط المضمون، بكل وضوح برهامى ومكارى وعبدالجليل هم من يستغل موقعه الدينى فى غير موضعه بزعم الدعوة والتبشير بالدين، الإساءة للآخر ولدينه لا علاقة له بالدعوة والتبشير، ولكن له علاقة بالمتاجرة واستغلال الدين. تلك الممارسات تهدف إلى الزعامة الذاتية والمصلحة الشخصية وادعاء البطولة، هذا السلوك هو استدعاء لعدو وهمى لاستفزاز الأتباع وتأكيد البطولة.
ما حدث ليس هو الأول ولن يكون الأخير مادام لم نصحح فكرنا الدينى وطالما يوجد من يستغلون الدين فى غير موضعه وبعيداً عن رسالته. وفى كل الأحوال رفض الآخر والإساءة إلى دينه وقتله وتهجيره ومنعه من ممارسة عبادته حسب عقيدته كل هذا ضد الدين والأخلاق والدستور والقانون وسلامة الوطن ووحدته الوطنية وتهديد للسلم الاجتماعى، بل تهديد للأمن القومى المصرى، إذاً لا لقانون ازدراء الأديان فالأديان أكبر من القانون. المطلوب لا مناقشة فى المقارنة بين الأديان إلا فى أماكن البحث ومحاسبة من يسىء لدين الآخر أو ينشر الكراهية ويدعو إلى البغضاء، فهذا تهديد للوطن وسلامته يمثل جريمة جنائية، نريد تدينا حقيقيا وإيمان صادقا بعيداً عن الشكل والمتاجرة، الدين له من يحميه وأكبر من هذه الصراعات وأجل من المتاجرة والوطن أهم من كل هؤلاء وأمثالهم، حمى الله مصر والمصريين من هؤلاء ومن فتنتهم.