فى 29 مارس 2015 قرر مجلس جامعة الدول العربية، الموافقة على الفكرة التى طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإنشاء قوة عربية مشتركة، هدفها حفظ وصيانة الأمن القومى العربى، وصدر قرار الموافقة رقم 628، وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب، يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا ويرسم سيناريو وافيا لمهام القوة.
هذه الفكرة البراقة والمدهشة التى تبنتها مصر، كان هدفها حماية الأمن القومى العربى، وأن يكون للعرب قوة عسكرية قادرة على الدفاع والردع، وتتخلص الأمة من شراء الحماية والأمان بالمليارات، لكن دولا محورية قررت ضرب الفكرة فى مقتل.
وخرجت على أنقاضها أفكار مطاطة تفتقد لآليات التنفيذ والقدرة، ومنها التحالف الإسلامى العسكرى لمحاربة الإرهاب، وهو حلف عسكرى أُعلن عنه فى 15 ديسمبر 2015، يهدف إلى «محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبها وتسميتها» حسب بيان إعلان التحالف، حينها، ويضم 40 دولة مسلمة، ويملك التحالف غرفة عمليات مشتركة، مقرها الرياض.
كما يعمل التحالف على محاربة الفكر المتطرف، وينسق كل الجهود لمجابهة التوجهات الإرهابية، من خلال مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية، وترتكز مجهودات التحالف على قيم الشرعية والاستقلالية والتنسيق والمشاركة، وسعى إلى ضمان جعل جميع أعمال وجهود دول التحالف فى محاربة الإرهاب متوافقة مع الأنظمة والأعراف بين الدول.
والأحد الماضى، كان هناك اجتماعا فى المملكة العربية السعودية، وخطف أنظار واهتمام العالم، شارك فيه قادة وممثلون من 55 دولة عربية وإسلامية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، وتمخض الاجتماع عن بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليميًا ودوليًا، وإعلان النوايا بتأسيس «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجى فى مدينة الرّياض»، وتشارك فيه العديد من الدول للإسهام فى تحقيق السلم والأمن فى المنطقة والعالم، على أن يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018، مع توفير قوة احتياط قوامها «34» ألف جندى لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية فى العراق وسوريا عند الحاجة، ورحبوا بما تم تحقيقه من تقدم على الأرض فى محاربة داعش خاصة فى سوريا والعراق، وأشادوا بمشاركة الدول العربية والإسلامية ودعمها للتحالف الدولى ضد داعش.
إلى هنا تكتشف أمرا مهما، أن «العرب» قرروا وأد فكرة تأسيس قوة عربية مشتركة، واستحْدثوا فكرة تأسيس ما يسمى «التحالف الإسلامى العسكرى لمحاربة الإرهاب» بمشاركة 40 دولة إسلامية، وانتظرنا التنفيذ، ولكن ظل الاقتراح مسجل على الورق فقط، حتى زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، السبت الماضى للملكة العربية السعودية، وثم الاتفاق فى اليوم التالى، الأحد، على تشكيل «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجى»، مع توفير قوة احتياط قوامها «34» ألف جندى لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية فى العراق وسوريا عند الحاجة.
أزعم أن تشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى، أو ما يطلق عليه «ناتو عربى إسلامى سنى أمريكى» لا يلقى رضا مصرى خالصا، وأن مصر لا ترى فيه سوى مجرد فكرة ستذهب أدراج الرياح، قناعة بالمثل القائل «لا يحك جلدك إلا ظفرك»، ولا يمكن لأى تحالف مطاط يضم قوى الشتات، أن يكتب له النجاح، عكس لو تم تنفيذ فكرة مصر بتشكيل قوة عربية مشتركة، محددة الأهداف، والآليات، ستكون أكثر فاعلية وقدرة على الدفاع عن الأمن القومى العربى.
لكن، زمار الحى لا يطرب، وأن بريق «الخواجة» أكثر إبهارا حتى عندنا فى مصر، لذلك رفضوا اقتراح مصر بتشكيل قوة عربية مشتركة، رغم أنها من الناحية العملية، والتكلفة المادية، أجدى وأنفع وأقوى فى تأدية المهام الموكلة إليها، والاستبسال دون تراخى للدفاع عن الأرض والعرض والشرف، بينما هرع الجميع وصفق وأقام الأفراح وليالى الملاح للاقتراح الأمريكى تشكيل «ناتو عربى إسلامى أمريكى، وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكرى بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار لها أثر فورى، و350 مليار دولار على مدار 10 سنوات.
لو تم رصد هذا المبلغ لتشكيل جيش عربى قوى، لكان للعرب جيشا يُغير من خريطة القوة ليس فى المنطقة فحسب ولكن فى العالم، وسيقف ندا قويا فى مواجهة «حلف الناتو»، وكان سيجبر كل أعداء الأمة على أن يضعوا فى حساباتهم أنه أصبح، أخيرا، للأمة العربية جيشا قادرا على الردع والحماية، ويصبح رقما فاعلا فى معادلة القوة العالمية.
الاتفاق على تشكيل «ناتو عربى أمريكى»، كمن يزرع فى غير أرضه، ولن تملك هذه الأمة قرارها، طالما هناك إصرار على البحث عن الأمن والأمان فى «حِجر» الأعداء، فى وضع مقلوب وغريب ولا يستقيم مع أبسط قواعد العقل والمنطق، ويتعارض مع بديهيات الحسابات الأمنية، فكيف نطلب الحماية من الأعداء؟!
ونكررها بصيغة مختلفة لن يكون هناك استقلال للقرار الوطنى، إن لم تصنع أمنك وأمانك بنفسك، وتأكل من فأسك، والعجيب أن الأمة تملك من الإمكانيات التى تحيل المستحيل إلى واقع ملموس وحقيقى، لكن غياب الإرادة واشتعال نيران الشك بين الأشقاء، يحول دون أن يكون لهذه الأمة قرارا مستقلا، وكيانا قويا!