إن جانبًا كبيرًا من العنف الذى شهدناه على الساحة المصرية ونشاهده على الساحة الدولية إنما يرجع إلى فقدان أو ضعف الحس الإنسانى، واختلال منظومة القيم، مما يجعلنا فى حاجة ملحة إلى التأكيد على الاهتمام بمنظومة القيم الإنسانية، والتنوع الثقافى والحضارى، والانطلاق من خلال المشترك الإنسانى بين البشر جميعًا.
فقد كرم الحق سبحانه الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بنى البشر، فقال عز وجل: «ولقد كرمنا بنى آدم»، فالإنسان بنيان الرب، من هدمه هدم بنيانه عز وجل.
كما أجمعت الشرائع السماوية على جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية، من أهمها: حفظ النفس البشرية، قال تعالى: «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» (المائدة: 32).
ولهذا قدَّر نبينا «صلى الله عليه وسلم» للنفس الإنسانية حرمتها، فلما مرت عليه جنازة يهودى وقف لها، فقيل له: إنها جنازة يهودى، فقال «صلى الله عليه وسلم»: أليست نفسًا؟!
ومن القيم التى أجمعت عليها الشرائع السماوية كلها: العدل، والتسامح، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، والصدق فى الأقوال والأفعال، وبر الوالدين، وحرمة مال اليتيم، ومراعاة حق الجوار، والكلمة الطيبة، وذلك لأن مصدر التشريع السماوى واحد، ولهذا قال نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد» (مسند الإمام أحمد).
فقد تختلف الشرائع فى العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التى تكون أساساً للتعايش لم تختلف فى أى شريعة من الشرائع، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (أخرجه البخارى).
وأرونى أى شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم، أو أكل حق العامل أو الأجير.
وأرونى أى شريعة أباحت الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة.
بل على العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على هذه القيم الإنسانية السامية ، من خرج عليها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليها.
ولهذا قال ابن عباس «رضى الله عنهما» عن قوله تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (سورة الأنعام: 151-53 ).
هذه آيات محكمات لم ينسخهن شىء من جميع الكتب، وهى محرمات على بنى آدم جميعًا، وهن أم الكتاب أى: أصله وأساسه، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار.
وديننا علمنا أن نقول الكلمة الطيبة للناس جميعاً بلا تفرقة، فقال سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة: 83)، بل نحن مطالبون أن نقول التى هى أحسن، يقول سبحانه وتعالى: «وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ» (الإسراء: 53).
ويقولون: البر شىء هين وجه طلق وقول لين، ويقول الحق سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (فصلت: 5 ).
وفى تعاليم سيدنا عيسى (عليه السلام): «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر».
فى دعوة عظيمة للتسامح فى كل الشرائع السماوية لكى تعيش البشرية فى سلام وصفاء، لا نزاع وشقاق أو عنف وإرهاب.