ما لى سِوى روحى، وباذِلُ نفسِهِ / فى حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
15 عامًا من العزلة كانت كافية لـ«سلطان العاشقين» المعروف بـ«ابن الفارض» فى أن يقول ما يشاء فى الحب الإلهى، وهذه السنوات قضاها الصوفى الكبير فى مكة بعدما سافر إليها فى غير وقت الحج، ففتح الله عليه من حبه ومعرفته وقربه.
يا مانِعى طيبَ المَنامِ، ومانحى / ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدى المتلفِ
عَطفًا على رمَقى، وما أبْقَيْتَ لى / منْ جِسميَ المُضْنى، وقلبى المُدنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلى / والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفى
هو عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على، ويعرف بـ«ابن الفارض»، لأن أباه كان يكتب فروض النساء على الرجال، حموى الأصل، مصرى المولد والدار والوفاة.
كان والده من كبار علماء مصر، وكان زاهدًا ورعًا، اتخذ زهده وورعه صورة عملية فى آخر حياته حين نزل عن الحكم، ورفض منصب قاضى القضاة واعتزل الناس، وانقطع إلى الله فى قاعة الخطابة بالأزهر.
يا أهلَ ودِّى أنتمُ أملى ومنْ / ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّى قد كُفى
وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفى/ عُمرى، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ
كان ولادة «ابن الفارض» فى الرابع من ذى القعدة سنة 576 هـ بالقاهرة، وكانت القاهرة وقتها تخلع ثوبها الشيعى وترتدى آخر سنيًا، وذلك بعد مجىء الأيوبيين، بينما كان المتصوفة على مكانتهم.
لا تحسبونى فى الهوى متصنِّعاً / كلفى بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ
أخفيتُ حبَّكمُ فأخفانى أسى/ حتى، لعَمرى، كِدتُ عنى أختَفى
وكَتَمْتُهُ عَنّى، فلو أبدَيْتُهُ/ لوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفى
ونحن هنا نعيش مع قصيدته الشهيرة التى مطلعها «قلبى يحدثنى بأنك متلف»، وفيها يطلب «ابن الفارض» الوصل الذى يرى سبله طويلة، وتحتاج إلى ما هو أكثر من السعى، تحتاج إلى بيع كل شىء من أجل الحب، وأول هذه الأشياء هى النفس.
إن «ابن الفارض» لا يريد سوى الحب، ويراه النعمة الكبرى التى إن أصابها الإنسان فاز وكسب وكانت النجاة.
دعْ عنكَ تعنيفى وذقْ طعمَ الهوى / فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ
عاد «ابن الفارض» إلى القاهرة وترك مكة، وذلك بعدما زاره طيف شيخه «ابن البقال»، طالبًا منه أن يحضر ليشهد موته وجنازته.
أما موته هو فكان فى سنة 632 هـ، ودفن بالقرافة بسفح جبل المقطم عند مجرى السيل، وظل ديوانه الذى يجمع قصائد حبه الإلهى يعرفه العامة والخاصة، ويتغنى به المداحون والمنشدون ورجال الطريقة.