مشكلة قطر الحقيقية أنها لا تدرك حجمها السياسى والاستراتيجى فى محيطها الإقليمى، فأخذت تتعامل وكأنها دولة كبرى بيدها أن تحرك الأمور فى الاتجاه الذى تريده، ظنت أن الثروة النفطية التى مكنتها من زيادة احتياطيها النقدى فى البنوك الأوروبية والأمريكية، وشرائها لعدد من الأصول العقارية فى أوروبا هو الشرط الوحيد لتكون قوة لها نفوذ فى المنطقة، وتحميها أيضا القاعدتان الأمريكيتان «العيديد والسيلية».
اعتبرت قطر أن شراءها لذمم وضمائر بعض الشخصيات المعارضة فى الدول العربية، وتيارات الإسلام السياسى والميليشيات المسلحة والإرهابية على شاكلة جماعة الإخوان الإرهابية سيمكنها من حكم المنطقة، حتى وإن كان من خلف الستار، المهم أن تكون ممسكة بخيوط اللعبة، وهو ما حاولت تنفيذه تحديدا بعد أحداث الربيع العربى حينما دعمت كل التيارات المعارضة فى المنطقة، وألقت بثقلها خلف جماعة الإخوان فى مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وظنت أن قيادة المنطقة اقتربت منها، وساعدها فى ذلك وجود إدارة أمريكية كانت مهتمة بصعود الإخوان فى المنطقة، وأيضاً نظام إسلامى فى تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان يدعم هذا الصعود أيضا، فتلاقت الأفكار والمخططات وشعرت قطر للمرة الأولى أنها صاحبة الرأى والقرار، خاصة أنها كانت تملك ذراعا إعلامية قوية متمثلة فى قناة الجزيرة التى تعاملت حينها وكأنها المتحدث الإعلامى باسم الثورات والثوار.
بالتوازى مع ذلك واصلت قطر لعبة النار واعتقدت أنها ستخيف جيرانها منها، ولعبة النار اختصاراً للسياسة القطرية التى وضع أسسها رئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم، وتقوم على انفتاح قطر على كل المتناقضات، تقيم علاقات قوية ومتصاعدة مع إيران وتمول حزب الله وحماس وحركة طالبان والإخوان، وفى نفس الوقت تستقبل الوفود السياسية والعسكرية والاقتصادية الإسرائيلية، وتفتح أراضيها للقواعد العسكرية الأجنبية التى تعتقد أنها ستحميها من جيرانها وأشقائها الخليجيين.
الرغبة فى القوة والسيطرة الممتزجة بلعبة النار أوهمت القيادات القطرية المتعاقبة أنها أقوى من الجميع، وأنهم قادرون على تغيير التاريخ والجغرافيا أيضا لصالحهم، ولم يستوعبوا دروس الماضى، ولا ما حدث فى المنطقة من تغيرات بعد ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، فاستمروا فى أوهامهم إلى أن حدث الصدام الكبير بين قطر والعرب جميعا، ولم يقتصر الصدام على الحكومات وإنما وصل إلى القاعدة الشعبية التى فطنت لحقيقة قطر وذراعها الإعلامية التى يدار من قيادات بالموساد الإسرائيلى، آخذا فى الاعتبار أن مشروع قناة الجزيرة كان فى الأساس فكرة طرحها وروج لها رئيس وزراء إسرائيل الراحل شيمون بيريز.
بعد 30 يونيو أصيبت القيادة القطرية بأمراض الوهم الكاذب، ووصل بهم الحال إلى درجة تحدى إرادة الشعوب العربية من خلال دعم الإرهاب والجماعات والميليشيات الإرهابية الممولة من المخابرات القطرية، فكانت النتيجة أن قطر أصبحت فى العقلية العربية مرادفا للخيانة والتدمير والقتل والإرهاب، مما جعلها فى عزلة شعبية ورسمية تتزايد يوما بعد الآخر، ووصلت إلى حد أن أشقاء قطر فى الخليج فاض بهم الكيل من سياسات تميم بن حمد وعصبته وميليشياته الإرهابية، وفرضوا العزلة الكاملة على الدوحة، وهو ما أحدث صدى ليس فقط فى محيطنا الإقليمى، وإنما وصل إلى المجتمع الدولى الذى طالب الدوحة بأن تتخلى عن سياساتها الداعمة للإرهاب.
النتيجة المنطقية لما حدث ويحدث أن قطر بدأت تفقد توازنها أو بمعنى أدق تترنح، وربما نصل إلى مرحلة قد تكون قريبة نشهد خلالها تغيرات جذرية فى تركيبة نظام الحكم القطرى، خاصة أن هناك أصواتا بدأت تظهر من داخل الدوحة ومن داخل الأسرة الحاكمة تبدى غضبها من سياسات تميم، وتحاول طرح البدائل لإنقاذ الدوحة من المأزق الذى وصلت إليه على يد تميم.
هذه اللحظة يراها البعض صعبة، لكننى أراها قريبة إلا إذا أفاق تميم واستشعر الخطر وقام هو بنفسه بهيكلة النظام، وإبعاد مستشاريه الذين أوصلوه إلى هذه المرحلة، لأنه إذا لم يفعل ذلك ربما يلقى مصير جده الذى انقلب عليه ابنه وفرض عليه إقامة جبرية فى منزله.