هزيمة 1967 ودروس النصر

الأمم العظيمة تتعلم من هزائمها أكثر مما تتعلم من انتصاراتها. وهزيمة 5 يونيو 1967 التى يمر عليها هذا العام خمسين سنة ليست استثناء على ذلك. هذه الهزيمة التى فتحت باب النصر فى 6 أكتوبر 1973 بعد أن علمت المصريين دروسا عدة. علمت المصريين قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله كما قال الرئيس السادات، وأن الهزيمة مهما كانت جسيمة إلا أنها ليست نهائية ما دام هناك تخطيط علمى منظم يستند على رؤية واضحة وإرادة صلبة وليس على أسس عشوائية أو مرتجلة. بدأ المصريون الاستعداد للنصر بحرب الاستنزاف التى أرهقت العدو وأزالت رهبة الخوف من الجيش الذى كان يظن كثيرون أنه لا يقهر، وظهرت النتيجة مع أول هتاف "الله أكبر" فوق خط بارليف الحصين. وعلمت المصريين أن المصارحة الحقيقية بالواقع والاعتراف بالفشل هى أولى مقدمات النجاح بدون جلد للذات أو انسياق أعمى وراء الأمنيات، وأن القيادات الفاشلة يجب أن ترحل ويحل محلها أخرى تعرف معنى المسئولية وقيمة التضحية وتؤمن بقيمة البناء والعطاء المستمر، فكان تعيين الفريق أول محمد فوزى قائدًا عامًا للقوات المسلحة في11 يونيو 1967, وتعيين الضابط الذهبى الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا للأركان, والفريق طيار مدكور أبو العز قائدًا عاما للقوات الجوية, واللواء بحرى فؤاد ذكرى قائدا للقوات البحرية. وأنيط إليهم مهمة بناء القوات المسلحة وإعدادها لمرحلة الردع. وعلمت المصريين أن الالتفاف حول القيادة فى الظروف العصيبة واجب حتمى، وأن الاصطفاف الوطنى وتضافر جميع الجهود هو السبيل لأى نجاح مهما تكاثرت المحن الداخلية، وازدادت انتقادات المتاجرين بالقضايا الوطنية، واشتدت الضغوط الدولية والإقليمية، وشيدت أسوار الكراهية التى تمنع المصريين من التمتع بخيرات بلادهم. هذا الالتفاف الذى ظهر فى خروج المصريين يومى 9 و10 يونيو بهتافهم الشهير بعد تلاوة الرئيس ناصر خطاب التنحى، وفى تحملهم لتبعات الهزيمة طوال الست سنين العجاف خاصة على المستوى الاقتصادى، وفى محافظات القناة التى تم تهجير سكانها بعد الحرب. وعلمت المصريين أن الإعلام عليه مسئولية كبيرة فى عدم تضليل المواطنين وتغييبهم فى حالة الوهم الكاذب، فالطائرات المصرية لم تكن تسقط الطائرات الإسرائيلية بل كان يتم تدميرها على الأرض، والقوات لم تكن تتحرك لرمى إسرائيل فى البحر بل كانت تهرب فى "انسحاب غير مدروس" مولية الأدبار، وهو موقف وعاه الجيش المصرى من ساعتها، وبدأ استعداده للحرب من لحظة السلام. وكلنا نلمس جهود التحديث والتطوير فى هذا المجال. وعلمت المصريين أن التضامن العربى ضرورى وقت الأزمات حتى بالرغم من اشتداد الخلافات وتصاعد حدة الاتهامات. ظهر هذا التضامن فى أعقاب الهزيمة مباشرة من شعب السودان - الذى يحاول الأشقياء كسر علاقتنا به الآن - فى استقبالهم الأسطورى للرئيس عبد الناصر أثناء مشاركته فى القمة العربية التى انعقدت بالخرطوم بعد الهزيمة مباشرة. وكان النتيجة الطبيعية أن وضعت مجلة النيوزويك الأمريكية على صدر غلافها صورة لعبد الناصر وحوله ملايين السودانيين وتحتها "أهلاً أيها المهزوم" فى إشارة لانتصاره رغم الهزيمة. كما ظهر هذا التضامن فى تعهد دول النفط الغنية أثناء تلك القمة بتقديم دعم سخى لدول الصمود، وهو الأمر الذى قاد لاستخدام النفط بعد ذلك كسلاح بتار فى حرب أكتوبر. لكن الدرس الأهم الذى تعلمه المصريون فى رأيى، ومازالت آثاره ظاهرة للعيان حتى الآن، هو رفض ازدواجية القيادة والحكم، فهذا البلد لا يمكن أن يتشارك فى حكمه اثنان: واحد شرعى وآخر مركز قوة يتحرك ويأمر ولا ينفذ توجيهات الرئيس. استفاد المصريون من دروس علاقة عبد الناصر – عبد الحكيم، واستحضروا المخزون الشعبى بأن "المركب اللى ليها ريسين تغرق"، ومنعوا ازدواجية السلطة ممثلة فى نموذج مرسى – الشاطر بعد ثورة 25 يناير. وبعد كل هذه الدروس، أن لنا أن لا ندفن رأسنا فى الرمال، وأن ننظم الندوات والمؤتمرات للاستفادة من دلالات هذه الذكرى الخمسينية التى تواكب فى هذا العام يوم النصر فى العاشر من رمضان. فلعلها مناسبة حسنة تستحق منا مزيد من التأمل والتدبر. • معاون وزير الشباب والرياضة.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;