جاء أحدهم ليعاتبه، فتملكته الأنا وفرد ظهره وعبس وجهه مندهشا (أنت اتجننت ؟!! بقا أنت تعاتبنى أنا !!!).. وطلب رجل المرور من إحداهن سحب رخصة القيادة لأنها تسير عكس الطريق.. فأجابته ( أنت مش عارف أنا مين ؟؟!!!).. وأحدهم كسب صفقته، فتحول لشخص مهم يمتلك مال كثير. فتنازل عن أهله البسطاء لأنهم غير لائقين للظهور معه فى عالم الأغنياء.. والآخر جاءه الكرسى. فتملكته الطاعة العمياء لرؤسائه على حساب ظلم المرؤوسين الذى كان هو واحد منهم فى يوم ما. وإحداهن تزوجت من أحد المشاهير، فجلست تفكر كيف ستكسب صداقات زوجات المشاهير مثلها؟ لأن صديقاتها قبل الزواج ممن شاركنها رحلة الوصول، لا تلقن بمستواها الاجتماعى الان. والآخر اصبح بطل فى الملاكمة، فصار يروع من هم أقل منه جسمانيا وصحيا ويحذرهم من غضبه والا.....!! وإحداهن حصلت على الدكتوراه من هارفارد، وعندما عادت إلى وطنها العربى، رفضت التدريس فى جامعاته استخفافاً بالعقول. وإحداهن أنجبت الطفل فعايرت التى حرمت من الإنجاب.. وجاءت الخادمة لتقبل إحداهن، فنفرت منها معبرة لصديقاتها ( ايه القرف ده !! تبوسنى ازاى يعنى ؟! )...وغيره... وغيرها..إلخ.
ولكن، محمد صلاح لاعب الكرة وهو فى بداية العشرينات من عمره الآن، قام بكسر هذه النماذج من تحولات البشر، وأصبح حديث للشباب على المقاهى. بعدما تحولت حياته من شاب بسيط إلى صاحب ملايين، ولكنه لم يتحول فى تصرفاته. الكل يتعجب !!! لم ينس أهل مركز بسيون الغربية، لم يتنازل عن أصدقاء المركز، منزله مفتوح لكل الناس ولكل طالب مساعدة... إلخ.
لقد وجه الجمهور سؤال مباشر وصريح لعلم النفس..
كيف استطاع محمد صلاح أن يكون هكذا؟ ما هذه النفسية التى لم تغيرها الملايين بالرغم من أنه شاب بسيط لم يولد وفى فمه ملعقة من ذهب ؟!! ولم لا نشعر تجاهه بالغيرة أو الاستفزاز مثلما قد نشعر تجاه غيره من المشاهير ؟!
عزيزى القارئ: لكى تصل النفس لهذه الحالة تتدخل عدة عوامل منذ الصغر ومنها: الروحانية أى العلاقة مع الخالق.. التربية.. الشعور بالانتماء.. والتعلم بالنموذج. فعلم النفس يفسر أنه من المؤكد أن محمد صلاح تتبع أحد النجوم فى مجاله الذين كانوا هكذا، واتجه نحو التشبع بقيمه وأفكاره وأسلوب حياته الإيجابى وبالتالى أصبح الآن مثله.. إذن يمكنك كإنسان أن تفعل ذلك أيضاً. ولكن، علم النفس يحذر من التقليد الأعمى. فليس معنى أن الإنسان تتبع نموذج كقدوة له، أن يقلده فى كل شىء. وإلا تحول الإنسان لآلة كمبيوتر. فعلى المشاعر والعقول استقبال كل ما هو إيجابى وطرد السلبيات. فعندما نأخذ إنسانا كنموذج علينا أن نذكر أنفسنا دوماً أنه إنسان وليس ملاك. وبالتالى أن صدر منه فى يوم من الأيام تصرف لا يرضينا، فلا يتحول حبنا له إلى الرفض أو الصدمة. وهذا ما يسمى ( التعلم المتزن من النموذج )..
وما سبق لا يعنى أن يعيش الإنسان للآخرين فقط. لا، فمن حق المتميز الاستماع بما يجنيه تميزه من ثمار، أى الاستمتاع بنجاحه وأمواله وعلمه وصحته.. إلخ. ولكن محاولة إمتاع من حوله والبدء بمحيطه الضيق ثم توسيع الدائرة بالتدريج. هى أهم خطوات الحفاظ على حب الناس، وعدم الحقد الطبقى. ومنع أى بوادر للغيرة أو الاستفزاز.
مما سبق يريد علم النفس أن يهدى قراءه أن الاعتدال فى كل شىء هو من أهم الطرق لتوصيل النفس لقمة الصحة النفسية.. فعندما تعشق لا تتجاهل تجاهل تام، ولا تتجاوب مع العشق كالأعمى.. وعندما يأتيك الرزق لا تحرم نفسك من الاستمتاع بنعمة الخالق، ولا تحرم من حولك من التمتع بجزء من رزقك.
ولتتذكر أنفسنا دوماً أن الرزق بأنواعه ( منصب، علم، مال، صحة، حب، أولاد، أصدقاء.. إلخ).. جميعها اختبار للإنسان أمام نفسه ليكتشف حقيقة نفسه. فكيف سيستغل هذا الرزق؟ فى الخير أم الشر؟ فى إسعاد نفسه فقط؟ أم إسعاد غيره فقط؟ أم تحقيق المعادلة الأرقى وهى الحفاظ على القديم مع الاستمتاع بالجديد أى إسعاد نفسه وغيره معه ؟
إن كان محمد صلاح استطاع تحقيق المعادلة فى مشاعر الناس.. إذن فهو يخطو لاشعورياً إلى تحقيق السلام.. فليس بأيدينا أن يحيا العالم فى سلام. ولكن يمكننا أن يسلم من حولنا من شر أنفسنا وألسنتنا وأيدينا.. فنشر السلام بدائرة معارفنا الصغيرة.. هو القوة الحقيقية لمواجهة دائرة العنف العالمية الكبيرة.