نبى الرحمة والتسامح

تعرضت سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، خاصة فى المائة عام الأخيرة لظلم كبير، بسبب التركيز على الغزوات التى خاضها فى حياته، على الرغم من أنها لا تمثل الجانب الأكبر من سيرته، فى المقابل تم إغفال الجانب الإنسانى وهو الأهم فى حياته الذى من أجله أرسله الله إلى العالمين، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، ما كون انطباعًا لدى المسلمين أن القراءة السياسية والعسكرية هى فقط سيرة النبى، وصورها المتطرفون على أنها قتل وحرب ودماء. فقد اختزل كتاب السيرة، حياة النبى فى الغزوات التى غزاها، والبالغ عددها سبعًا وعشرين غزوة على الأغلب، التى لو حسبناها فى المتوسط، سنجد أن كل غزوة تستغرق 20يومًا، بمعدل 540 يومًا، أى سنة وخمسة أشهر تقريبًا من إجمالى 23 سنة هى مدة الرسالة، بينما أمضى أكثر من 21 عامًا فى أعمار الأرض والبناء والعمل والإنتاج والتعليم لهذه الأمة. الإمام الغزالى فى كتابه «المستصفى»، يقول إن عدد آيات القرآن 6236 آية، عدد آيات الفقه والأحكام والجهاد والقتال والأحكام 430 آية فقط، أى %7 فقط من مجموع آيات القرآن، بينما الـ%93 المتبقية أخلاق مرتبطة بالعقيدة. بينما عدد الأحاديث النبوية بكل درجاته، 60 ألف حديث، أما عدد الأحاديث عن الفقه والقتال والحدود والأحكام فتبلغ 4200 حديث، أى ما نسبته %7 فقط من الأحاديث. من هنا، تشتد الحاجة الآن أكثر من أى وقت مضى إلى ضرورة التركيز على الجانب الأهم فى حياة النبى، وهو الجانب الإنسانى منها، من خلال رؤية جديدة للسيرة النبوية تنظر إلى الجانب الحياتى فى سيرة النبى، تسلط الضوء عن قرب حول معانى الرحمة والبناء والتسامح والخير والعاطفة وإصلاح الإنسان من داخله. حياة النبى تجمع كل احتياجات البشر إلى يوم القيامة ليس هناك من إنسان على وجه الأرض جمع الله له فى حياته كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا النبى صلى الله عليه وسلم، وهذه من معجزاته، حيث لا يوجد نبى سواه تستطيع أن تقتدى به فى كل حياتك، لأنه عاش حياة الغنى والفقر، الحاكم والمحكوم، الأعزب والمتزوج من امرأة وأكثر، زوج بناته ودفن أولاده، اشتغل أجيرًا عند الناس، وفى الوقت ذاته كان صاحب عمل، وغير مهنته 3 مرات. من يبحث فى السيرة سيجد فيها اهتماماته واحتياجاته، لو تأملت قول الله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ»، لعلمت أن الرسول موجود بيننا، كيف، وقد مات قبل نحو 1400 سنة؟ بسيرته.. بحياته، وإنما سميت السيرة سيرة، لأنك تسير بها فى الحياة، وتجد فيها ما يلبى احتياجات العصر وحتى مع تغير الأزمان، وهذه من معجزات النبى. ما معنى أن النبى من أنفسنا؟ «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، آية تباينت التفسيرات حولها، فالعرب قالوا: إنه من أنفسنا لأنه من العرب، وقريش قالت: بل من أنفسنا، والعلماء قالوا: من أنفسنا نحن لأنه سيد العلماء، والحقيقة أننا لو تأملناها الآن لوجدنا معناها: أن النبى قريب منا، يشعر بنا، يسكن فى أعماقنا، نتزوج على سنته، وندفن على ملته. قبل أن نتناول سيرة النبى، لابد من الإجابة أولاً عن السؤال: هل تحب النبى، وتشعر بالانتماء إليه وأنك من أمته، لماذا؟ لأن الحب هو مدخل السيرة بل مدخل الحياة كلها، لأنك لن تستفيد من سيرته إلا إذا أحببته، فالحب يؤدى إلى إعجاب، إلى انبهار، إلى اتباع، «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»، والنبى يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه وأهله وولده وماله». تعلم حب النبى من عمر بن الخطاب عمر بن الخطاب كان يسير بجوار النبى، فإذا به يقول له: «والله يارسول الله أنت أحب إلى من أهلى وولدى ومالى»، فقال له النبى: «ونفسك يا عمر»، قال: «لا يارسول الله»، فقال النبى: «لا يا عمر. لا يكتمل إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فسكت عمر، وقال: «والله لأنت الآن أحب إلى من نفسى» فقال له النبى: «الآن يا عمر». حبك للنبى سيجعلك تقلده فى أخلاقه، لأن النبى أعظم خلق الله أخلاقًا «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ»، والنبى أعظم الناس رحمة وتسامحًا «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، حبك له سيدفعك إلى تقليده فى رحمته وتسامحه، فترتقى بنفسك وتصير أفضل، والنبى أعظم الناس إنجازًا بشهادة الغرب «الخالدون مائة وأعظمهم محمد»، وحبك له يدفعك لأن تنجح وتحقق إنجازًا. النبى أحن الناس على الناس عبدالله بن عباس، ابن عم النبى، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير وترجمان القرآن، كان عمره 12 عاما، عندما احتضنه النبى وأخذ يدعو له فى أذنه أن يملأ الله جوفه علمًا وأن يجعله صالحا، وكان يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه، وهو يقول: «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل». يقول عبدالله بن عباس: مات النبى وأنا عمرى 13 سنة، والله ما زلت أذكر حضن النبى ودعوته فى أذنى حتى صار أكثر العلماء والصحابة علما. رحمة النبى وحنانه.. لا للعنف.. لا للتطرف عندما دخل النبى مكة فاتحًا، جمع كل قريش، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، بعدها جاء واحد اسمه «فضالة بن عمير»، وهو يمسك بخنجر أخفاه فى ثوبه، يريد أن يقتله، فالتفت إليه النبى، وقال: «بما تحدثك نفسك يا فضالة، قال: إنى أذكر الله.. يقول: فرفع النبى يده، فقلت سيضربنى، فظل يمسح على صدرى وينظر فى عينى ويقول لى اتق الله يا فضالة.. استغفر الله يا فضالة.. يقول فضالة، قبل أن يضع يده على صدرى كان أبغض أهل الأرض إلى قلبى، فما أن رفع يده عن صدرى حتى صار أحب أهل الأرض إلى قلبى. أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، وهو ابن عم النبى، كان يؤذى النبى فى مكة، يوم فتح مكة، فتح النبى له ذراعيه واحتضنه، يقول: فحضننى حضن العم، فامتلأ قلبى بحبه، فقد كان صلى الله عليه وسلم أحن الناس على الناس، وأكثر الناس تسامحًا.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;