«وَلَما صَفَا قَلْبى وَطَاَبتْ سَرِيرَتِى/ وَنَادَمَنِى صَحْوى بِفَتْحِ الْبَصِيرة/ شَهِدْتُ بِأَنَّ الله مَوْلَى الْوِلاَيَة/ وَقَدْ مَنَّ بِالتَّصْرِيفِ فِى كُلِّ حَالَةِ»
يحسب للدكتور يوسف زيدان أنه جمع ديوان «الجيلانى»، وكان مفرقا فى قصائد متناثرة، لأن عبدالقادر الجيلانى لم يكن يكتب الشعر إلا بوصفه طريقة لقول ما يشاء.
«وَقَفْتُ بِبَابِ اللهِ وَحْدِى مُوَحِّدَاً/ وَنُودِيتُ يَا جِيلاَنِى ادْخُلْ لِحَضْرتِى/ وَنُوديتُ يَا جِيلاَنِى ادْخُلْ وَلا تَخفْ/ عُطيتُ اللوا مِنْ قَبْلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ».
إنه محيى الدين عبدالقادر الجيلانى المولود فى سنة 417 هجرية فى جيلان والمتوفى فى سنة 561 هـجرية فى بغداد، مكانته فى تاريخ التصوف معروفة لا ينكرها أحد، كان صاحب طرقة معروفة نقلها عنه أصحابه وتلاميذه من بعده.
«أَنَا كُنْتُ مَعْ نُوْحٍ أُشَاهِدُ فِى الْوَرَى/ بِحَاراً وَطُوقَاناً عَلَى كَفِّ قُدْرَتى/ وَكُنْتُ وَإِبْراهِيمَ مُلْقَىً بِنَارِه/ وَمَا بَرَّدَ النِّيرانَ إِلاَّ بدَعْوَتِى/ وَكُنْتُ وَمُوسَى فِى مُنَاجَاةِ رَبِّهِ/ وَمُوسَى عَصَاهُ مِنْ عَصَاى اسْتَمَدَّتِ/ وَكُنْتُ مَعَ أيِّوبَ فى زَمَنِ الْبَلا/ وَمَا بَرِئَتْ بَلْوَاهُ إلاَّ بِدَعْوَتِى»
هذه القصيدة التى بين أيدينا تسمى «الوسيلة» وهى من أشهر قصائد عبدالقادر الجيلانى، ولعل من يقرأها كاملة يلحظ ما بها من رموز صوفية تبعد مساحة كافية عن العادى والمتاح من الأشياء.
رُفِعْتُ عَلَى مَنْ يَدَّعِى الْحُبَّ فِى الْوَرَى/ فَقَرَّبَنى الْمَوْلَى وَفُزْتُ بِنَظْرَةِ/ وَجَالَتْ خُيُولِى فِى الأَرَاضِى جَمِعَها/ وَزُفَّتْ لِى الْكَاسَاتُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةِ/ وَدُقَّتْ لِى الْرَايَاتُ فِى الأَرْضِ وَالسَّمَا/ وَأَهْلُ السَّمَا والأَرْضِ تَعْلَمُ سَطْوتِى»
ربما أكثر الذى لفت انتباهى فى هذ القصيدة هو إدراك عبدالقادر الجيلانى لمكانته فى المحبة الإلهية، فهو يؤمن تماما بأن تقربه إلى الله الكريم يرفعه درجات ويعلى من قدرة قامات.
وَأَوْصِيكُمُو كَسْرَ النُّفُوسِ فإِنَّها/ مَرَاتِبُ عِزِّ عِنْدَ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ/ وَمَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِتَكَبُّر/تَجِدْهُ صَغِيراً فى عُيُونِ الأَقِلَّةِ/ وَمَنْ كَانَ فِى حَالاتِهِ مُتَواضِعَاً/ مَعَ اللهِ عَزَّتْهُ جَميعُ الْبَرِيَّةِ»
ويظل عبدالقادر الجيلانى حالة فريدة فى تاريخ التصوف الإسلامى، وتظل قصائده، حتى ولو لم يهتم هو بها ويمنحها مكانتها المناسبة هى «شهد الكلام» الذى نستمع إليه.