منذ سنوات ذهبت لاحداهن في جلسة خاصة، فجلست تروي مشكلتها ودموع الحيرة في عينيها، قائلة: ( بنتي قطرية، كانت بتتعلم بره، واضطرتنا الظروف ان نرجع بيها لابوها نعيش في قطر، وتدخل مدارسها، وبعد فترة شخصيتها اتغيرت معايا ومع صحباتها !! الايجو عندها صاير عالي، باستمرار ترى انها هي الأفضل ....الخ).. عزيزي القاريء: اسمح لي ان أتحفظ على تفاصيل باقي هذه الجلسة..
لم يكن علم النفس ليكتب مقال سياسي. ولكن كان ليتعمق في الانفس البشرية ويقدم تفسيرات للسلوك الإنساني.. ورجل السياسة احد هذه الانفس .. ولذلك فعندما انهالت اليوم مجموعة من الطلبات التي ترغب في توضيح لنفسية حاكم قطر الامير تميم بن حمد، وتعددت الانتقادات حول شخصيته والتساؤلات المتنوعة، كان لابد من هذا المقال..
تشابهت معظم الطلبات في ( كيف يكون حاكم ويأخذ قرارات مصيرية تطيح بدولته، وأدت الى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بعض الدول الاخرى ؟ ما نفسية هذه الشخصية ؟ وهل هذا يعني ان ليس من الحكمة ان يتولى المسؤولية احد الشباب؟ هل في علم النفس عمر الانسان مرتبط بحكمته في اتخاذ القرار ؟ ولماذا هو لا يشعر بالندم رغم ما يحدث ؟!!)..
اعزائي القراء: انطلاقاً من احترام رغباتكم، وتقديراً لمشاعركم وفقاً للأحداث الجارية، فعلم النفس يهديكم ما يلي:
ان النفس البشرية لا تقدر حكمتها بالعمر الزمني لها، ولكن تقدر بكمية الخبرات المربية التي مرت بها في حياتها.. والخبرة المربية لا تعني المواقف. لان من الممكن ان يمر الانسان بمواقف كثيرة في حياته ولكنه لا يتعلم منها شيء .. اذن لكي نحكم على الخبرة انها مربية فلابد وان تغير من سلوكيات الانسان للافضل .. وبالتالي قد نجد شاب ولكن لديه من الحكمة ما يوءهلة لقيادة او إدارة ما يقل كبار السن في كفاءتهم لإدارته. والعكس صحيح..
وفي شخصية اليوم فالأمير تميم بن حمد يستطيع علم النفس ان يقرأ دواعي تصرفاته من خلال الأحداث الجارية .. فهو يفتقد لاهم ما يمكن ان يكون متواجد في الشخصية القيادية.. انه يفتقد لاهم بعد من ابعاد هرم السلام النفسي الا وهو (التقبل).. ويعني تقبل النفس بعيوبها ومميزاتها ومن ثم تقبل الاخر المختلف عنه والمتشابه معه .. وعلم النفس يوءكد باستمرار على ان الشخصية التي تفتقد للتقبل، قد تبدع بشدة في الوظائف التي تتعامل فيها مع معلومات او آلات كمبيوتر او ماكينات ...الخ. ولكن غير صالحة نفسياً تماماً لتحمل مسوءلية قيادة انفس. او اتخاذ قرارات متعلقة بالبشر. لانها تكون شخصية غير مرنة في النقاش وقرارتها لا تهتم بالصالح العام ولكن تهدف للوصول للهدف الذي تقتنع به وجهة نظرها الخاصة فقط. اذن من الصعب جداً التأثير عليها او محاولة تغييرها ..
ولذا يطالب علم النفس منذ سنوات بضرورة اخضاع اي قائد لاختبار ابعاد هرم السلام النفسي، والتي تتدرج بالترتيب من التقبل للتسامح ثم التعاون للحب الى الامان ومن ثم الانتماء وأخيراً نبذ العنف.. ولا يمكن لأي نفس ان تكتسب واحد من هذه الأبعاد قبل الاخر وبالتالي من يفتقد لاول طبقة في الهرم وهي التقبل، من الصعب ان تجد لديه تسامح او تعاون ...الخ.
وهذا واضح في انه لم يتعاون مع الدول العربية الاخرى، ومازال يقتنع بتصرفاته وغير ندمان كما ذكرتم .. لان الشخصية التي تفتقد للتقبل، تفتقد للمرونة ولا ترى الاخر ولكن ترى ان ذاتها وقراراتها هي الأفضل .
وافتقاد التقبل ليس وراثي ولكنه مكتسب .. فطريقة تعليم المدارس وطريقة تربية الأسرة وطريقة زرع الانتماء ان كان بشكل سلبي يفقد الانسان للتقبل .. فقد يزرعون بداخل احد الانفس انها الأفضل والاقوى في كل شيء ويسايرونها على كل ما تريد ويدللونها بشدة فيضخمون الانا لدى الانسان ولا يجد من يساعده على التغيير عبر سنوات وبالتالي ينشأ مفتقداً للتقبل مستهيناً باحتياجات الآخرين وذكاءهم او روءيتهم للامور، ويحيا غير مقدر بانه يتعامل مع اخرين مختلفين في الاحتياجات والأجناس والشخصيات والديانات والثقافات ...الخ. ولذا فيصعب عليه الاعتراف بأخطائه، ويرى انه الاقوى، ولا احد يعادله..
ويبقا هكذا، ويبقى استغراب الآخرين من سلوكيات الانفس البشرية، ويبقا هرم السلام النفسي هو الحل ..