تخيلوا لو كانت العظيمة أم كلثوم أو الرائع عبدالحليم حافظ أو العملاق حسين رياض، فى زمن السخيف رامز جلال، وتعرضوا لأحد مقالبه السمجة، ماذا سيكون رد فعلهم، غير صفعة على وجهه وركله بالأقدام، حفاظا على قيمة الفن ووقار الفنان، وكانت الأجهزة المعنية ستبادر على الفور بإيقاف البرنامج، والاعتذار للسادة المشاهدين، والتعهد بعدم عودة مثل هذه السخافات مرة أخرى، وكان الجمهور نفسه سيقاطع مقدم البرنامج وبرنامجه ومن وراءه.
سخافات رامز جلال عبث «ممنهج»، لا يستهدف التسلية والإضحاك، ولكن المسخرة والاستهزاء بهؤلاء الفنانين، الذين يهرولون كل سنة كالبهلوانات فى السيرك، زاعمين أنه ضحك عليهم وسقاهم شيئا أصفر، فلم يعلموا بالخدعة إلا فى نهايتها، وهذا بالطبع كلام مسخرة، لا يضحكون به على الناس بل على أنفسهم، والناس أكثر ذكاء من سذاجتهم، ويدركون أنهم ذهبوا طائعين راضيين بأدوار الأراجوزات، من أجل عشرات الآلاف من الجنيهات أو الدولارات، حتى لو كان الثمن أن يعملوا عجين الفلاحة، أو نومه العازب.
سخافات رامز جلال تستهدف السخرية من الفن المصرى، كأحد أهم مكونات القوة الناعمة المصرية فى وجدان الناس، ومرمطة رموزه فى الوحل وإضحاك الخلق عليهم، وهم مذعورون ويصرخون ويولولون، ويلطمون خدودهم وعلى وجوههم علامات الفزع والرعب، ويتمرغون فى الوحل والطين فى مشاهد مؤسفة، بينما يظهر السخيف فى لقطات سريعة، ليستفز الناس بتعليقاته السمجة وملامحه المستوحاة من حركات الشيطان، ليقول لنا جميعا: «هذا هو فنكم، وهؤلاء هم فنانوكم».
ضرب الفن كأحد مكونات القوة الناعمة المصرية، هو الهدف الخفى لمنتجى برنامج رامز جلال، الذين ينفقون عليه مئات الملايين، ليس من خزائنهم ولكن من جيوب البلهاء، الذين يتنافسون للإعلان وتمويل الهزل، أو بإقبال المشاهدين على متابعته، ويستثمرون عبارة «الأكثر مشاهدة» لجلب مزيد من الأموال، يعنى على طريقة المثل الشعبى «من دقنه إفتله»، ويخرج لنا لسانه كل ليلة ويقول «أنا مفروض عليكم، ولا يستطيع أحد منعى، وموتوا بغيظكم».
لن أتحدث عن «نظرية المؤامرة»، رغم أن هذا وقتها، ولا من وراء سخافات رامز جلال، الذى تحركه أصابع علنية من وراء الستار، ولكن المحصلة أننا نعيش حاله تجريف متعمد، للبقية الباقية من تميزنا الفنى والثقافى، نشهد ملامحه فى التدهور الأخلاقى فى كل شىء، ولا أنسى أبدا صفقة مشابهة ومشبوهة منذ سنوات، لشراء تراث السينما المصرية من الأفلام القديمة، لصالح منتجين عرب وخليجيين، ولم يستطع أحد فى ذلك الوقت أن يوقف الهجوم التترى، فزيتنا فى دقيقنا، وكله من عمل أيدينا، سواء صناعة الفن الجميل، أو السطو على الفن الجميل.
لا يجدى الكلام الناصح ولا الموعظة الحسنة لوقف مسخرة رامز جلال، ولكن القرار للشعب بأن يعلن المقاطعة والامتناع عن المشاهدة للبرنامج والقناة، وأن تمتد المقاطعة لكل الأعمال التى ينتجها هذا التكتل الشرير، وأن تضع شركات الإعلانات فص ملح فى عينها، وتمتنع عن تمويل الفساد بكل هذا السخاء، احتراما للفن المصرى والقيم الأصيلة التى يرسخها عبر الأجيال، وإذا لم يستجب المعلنون للمناشدة، فلا حل إلا أن يقاطع الناس منتجاتهم، حتى لا يسهموا فى تمويل هذا العبث التآمرى من جيوبهم.