الحلم من الآداب، التى يجب أن يتحلى بها المسلم فى حياته، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الأدب والخلق الرفيع، وهو خلق من أخلاق الإسلام العظيمة، الذى يتمثل فى تريث الإنسان وتثبته فى الأمر، ويعنى الأناة وضبط النفس، لذا ستكون دورتنا الرمضانية اليوم عن الحلم. ولقد وردتْ آيات قرآنيَّة كثيرة تشير إلى صفة الحِلْم، ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالحِلْم، وسمَّى نفسه الحليم، ووردت آيات تدعو المسلمين إلى التَّحلِّى بهذا الخُلُق النَّبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحثِّ على الدَّفع بالتى هى أحسن، والتَّرغيب فى الصَّفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.
قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ ُينفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
وامتدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على أخلاقه كلها، ومنها خلق الحلم، تلك الصفة التى تحلى بها نبينا عليه السلام لتكون شامة فى أخلاقه، ولقد صدق الله عزوجل إذ يقول: «فبما رحمة من اللَّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».
وإن استقراء صور العفو والحلم فى سيرته صلى الله عليه وسلم أمر يطول فاكتفى بذكر هذه الرواية
«كان زيد بن سعنة حبرًا مثل عبدالله بن سلام، عرف أوصاف النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله ما من شىء من علامات النبوة إلا وقد رأيته فى محمد- صلى الله عليه وسلم - إلا أننى لم أعرف من العلامات علامتين: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا قال: فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يومًا من الحجرات، ومعه على بن أبى طالب، فاستوقفه رجل، فقال: يا رسول الله! إن قومى من بنى فلان فى قرية كذا قد دخلوا الإسلام، وقد وقع بهم شدة، وكنت قد وعدتهم إن دخلوا فى الإسلام أن يأتيهم رزقهم رغدًا، وأخشى اليوم أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فى الإسلام طمعًا، فإن رأيت أن تغيثهم بشىء من المال فعلتَ، وجزاك الله خيرًا، فالتفت النبى عليه الصلاة والسلام إلى على وكأنه يريد أن يسأله عن مال، فقال على: والله ما بقى منه شىء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنة: فانطلقت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا محمد! بعنى تمرًا معلومًا فى حائط بنى فلان إلى أجلٍ معلوم، فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم -: لا تسم حائط بنى فلان، قال: قبلت، قال: فأعطيت النبى ثمانين مثقالًا من ذهب، فدفعها كلها إلى هذا الرجل، وقال: أغث به قومك، وانطلق.
قال: فخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - يومًا يصلى على جنازة، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فجلس إلى جوار جدار فى المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنة: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبى من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِّ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بنى عبدالمطلب إلا مطلًا، يعنى: فى سداد الحق - تصور هذا المشهد وسط الصحابة! - فانقض عمر - رضوان الله عليه - وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى!؟ والله لولا أنى أخشى غضبه لضربت رأسك بسيفى هذا، فماذا قال النبى عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر، والله لقد كان من الواجب عليك أن تأمرنى بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمرٍ جزاء ما روعته.
فأخذه عمر - رضوان الله عليه - فأعطاه حقه وزاده عشرين صاعًا من تمر؛ فقال له زيد بن سعنة: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرنى رسول الله أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفنى يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد بن سعنة، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذى حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت، وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت فى علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه، لكننى أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه إلا حلمًا، وهأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله– صلى الله عليه وسلم - وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيدًا مقبلًا غير مدبر فى غزوة تبوك».
اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا، بالعافية، ولاتحرمنا ونحن نسألك، ولا تعذبنا ونحن نستغفرك، واجعلنا من الذين، إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا.