يحكى أن الإمام ابن عربى رأى وهو فى حالة اليقظة أنه أمام العرش الإلهى المحمول على أعمدة من لهب متفجر، ورأى طائراً بديع الصنع يحلق حول العرش، ويصدر إليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق وينبئه بأنه سيكون هو مرشده.. فبدأ رحلته التى لم يعد منها.
«رضى المتيم فى الهوى بجنونه/ خلوه يفنى عمره بفنونه/ لا تعذلوه فليس ينفع عذلكم/ ليس السلو عن الهوى من دينه»
إنه محيى الدين محمد بن على بن محمد بن عربى الحاتمى الطائى الأندلسى، ولد فى مرسية فى الأندلس عام 1164، قبل عامين من وفاة «سلطان الأولياء» الشيخ عبدالقادر الجيلانى الذى تُنسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، وهو واحد من كبار المتصوفة والفلاسفة المسلمين على مر العصور، كان أبوه على بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف، وكان جده أحد قضاة الأندلس وعلمائها، درس فى إشبيلية ومكة وبغداد، خرج إلى لقضاء فريضة الحج وظل سائحا فى بلاد الله وتوفى فى دمشق عام 1240، ودُفن فى سفح جبل قاسيون.
«قسما بمن ذكر العقيق لأجله/ قسم المحب بحبه ويمينه/ مالى سواكم غير أنى تائب/ عن فاترات الحب أو تلوينه».
والمعروف أن ابن عربى شغل الجميع وملأ الدنيا خاصة عند الصوفية ويكاد يكون الأشهر فى عالمهم الملىء بالرموز والتأملات والأسرار والبحث عن المحبة، خاصة أنه ترك كتبا ورسائل وقصائد محملة بفكره وفلسفته ورؤيته لله والكون والإنسان، لكنه فى الوقت نفسه أثار حفيظة كثير من علماء السلف الذين لم يتقبلوا الكثير من أفكاره فحاسبوه فى كتبهم حسابا عسيرا، بينما انتصف له المحبون ولقبوه بـ الشيخ الأكبر.
«مالى إذا هتف الحمام بأيكة/ أبدا أحن لشجوه وشجونه/ فإذا البكاء بغير دمع دأبه/ والصب يجرى دمعه بعيونه»
يقول ابن عربى «فيا إخوتى وأحبائى رضى الله عنكم، أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله فى كل لحظة وطرفة، أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد الله وملائكته، ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا، أن الله إله واحد، لا ثانى له وألوهيته منزهة عن الصاحبة والولد، مالك لا شريك له فى الملك ولا وزير له، صانع لا مدبر معه، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده.