الإنسان لا يخون إلا نعم الله عليه. فيخون سلطته عندما يستخدمها بشكل خاطئ، ويخون صحته عندما يفترى بها على الآخرين. ويخون علمه عندما يضلل به الناس، ويخون أهله وأصدقاءه وزملاءه وجيرانه ومن يحبونه عندما لا يقدر قيمة وجودهم فى حياته فيهملهم، أو يتصيد لهم الأخطاء.
ويؤكد علم النفس، أن خيانة الآخر مصدرها خيانة النفس.. والخيانة أنواع، وأهمها خيانة المشاعر، خيانة الوعد، خيانة الصحة، خيانة المظلوم، وخيانة العلاقات.. فقد يخون الإنسان نفسه ويهملها ويحملها فوق طاقتها بعدما توقعت منه الاهتمام بها وبسعادتها وبعلاقتها بالخالق.. وهؤلاء هم الأكثر قابلية للانتقال لمرحلة خيانة الآخر.
وقد تخون النفس الآخر فتستغل مشاعره كنقطة ضعف للضغط عليها لصالح أهوائها ومصالحها الشخصية، وقد تخون وعدها للآخر، أو تخون أمانته فى النفس والمال والأسرار..إلخ. وقد تخون النفس المظلوم بعدم قول الحق والخوف من الظالم. وقد تخون النفس أحد الأهل أو الأصدقاء أو الجيران أو الزملاء أو الزوج أو الزوجة بعدم إعطائهم حقوقهم من الود والتواصل. وقد يخون الإعلامى جماهيره أو يخون المدرس تلاميذه بإعطائهم معلومات مضللة لمصلحة ما. وقد يخون الدكتور المرضى بالإهمال. وقد يخون المسئول المسئولين منه بالضغط على صحتهم والاستفادة من مجهودهم بمقابل غير موازٍ، لأنه يعلم أنهم فى حاجة للقمة العيش ولا يستطيعون ترك العمل. وقد.. وقد.. وقد.. ولكن، تبقى العلاقة بين النفس والخيانة علاقة واقعية.. فكل الأنفس خائنة ولكن نسبة وجود الخيانة فى كل نفس تختلف من شخص لآخر وفقاً للعلاقة الروحانية بالخالق.
عزيزى القارئ: أعلم جيدًا أن ملايين القراء الآن يرفضون هذه الحقيقة، ولكن إن لم تعترف بها فما أصعب مقاومتها.. ولكن عليك أن تعترف أنك ربما تخون نفسك بشكل لا شعورى. ربما تعطى مشاعرها لمن لا يقدرها، ربما تستنفذ من طاقتها فى أمور تعود عليها بالضرر، ربما تهمل صحتها ولا تهتم بالرياضة، ربما لا تعطها ما تستحقه من ساعات نوم كافية، ربما حرمتها من البقاء مع من أحبها بصدق.. وربما ظلمت آخر فى مشاعره فى يوم ما، ربما لم تقل لا للظلم أمامك لأنك لا تربطك علاقة بالمظلوم، ربما أهنت إنسانًا فى يوم ما أو تضجرت من احتياجه لك فخونت الإنسانية.. ربما.. وربما. إذن لابد من الاعتراف.
يقول بعض الناس، إن الخيانة وراثية. والبعض الآخر يقول الخيانة مكتسبة من التربية ومن ضغوط الحياة ومن تفكير المحيطين بك.. يقولون ويقولون ولكن، علم النفس يقول إن كل الاحتمالات واردة ولكن، الأكيد أن العلاقة ما بين الخيانة والروحانية علاقة عكسية. فكلما زاد حبك واحترامك للخالق قلت نسبة الخيانة والعكس.
إذن أن أردنا تسليح من نحب.. فلنسلحهم بالعلاقة الروحانية الصحيحة التى تنطلق على حب الخالق وليس الخوف.. وحب الخالق يكسب النفس احترامه وبالتالى الشعور بوجوده فى نوايانا ومن ثمَّ أفعالنا.
ما سبق كان تعمق من علم النفس فى فكرة ناقشها مسلسل "لأعلى سعر" رمضان هذا العام. وأثرت على شريحة لا يستهان بها من الجمهور، وهى فكرة "الخيانة" فوجدنا أغلب الأدوار فى المسلسل تجسد الخيانة، وتأثر الجمهور بأحداثه حتى أصبحوا يتحدثون وبكثرة عن فقدان الخير فى الناس. ولذا أراد علم النفس عدم توحد المشاهد مع الأحداث بشكل سلبى، أراد أن يؤكد أن الخيانة واقع، ولذا لابد من التوحد بشكل إيجابى لا نصل منه لمرحلة فقدان الثقة فى الآخرين.. ولكن نصل منه للتعمق فى أسباب الخيانة عند النفس البشرية لنتجنبها.. فالنفس تخون لقلة علاقتها الروحانية بالخالق، ومن ثمَّ لم تجد فى من حولها من يستفز ضميرها لتقول لن أخون، وبالتالى تضخمت الأنا لديها وأصبحت تريد من الحياة ما يرضى رغباتها ومصالحها الشخصية فقط، بصرف النظر عن الطريقة التى ستحصل بها على ما تريد، والضرر الذى من الممكن أن تلحقه بالآخرين.. تعودت هذه النفس على أن تفكر فى ذاتها فقط بصرف النظر عن أى اعتبارات أخرى.. وأحياناً تستبيح الفقر كمبرر أو الحرمان بأشكاله أو الغريزة. وبالتالى جاء علم النفس فى هذا المقال ليؤكد أن تقوية علاقة الحب بين النفس وخالقها، هى الحل الأمثل لتجنب نسبة الخيانة فى الأنفس.. ويندرج تحتها تربية النفس منذ الصغر على المبادئ والقيم التى لابد من التمسك بها مهما تغيرت الظروف، وعدم النظر لما فى أيدى الغير، وصيانة أمانة الأنفس والمشاعر والأموال و...و... و... الكثير من الإجراءات العملية التى لا يمكن إتمامها إلا بالبدء بتوطيد حب الخالق فى القلب والروح.. بالحب وليس بالخوف.