فى عام 1977، وعقب ما يطلق عليه «الانتفاضة الشعبية ضد غلاء الأسعار وإلغاء الدعم»، حاول الرئيس الأسبق محمد أنور السادات امتصاص غضب الشارع، وقرر عقد مجموعة من اللقاءات مع فئات مختلفة من المجتمع.
ومن بين اللقاءات التى عقدها السادات، لقاؤه باتحاد طلاب مصر، وكان من بين الطلبة المشاركين فيه حمدين صباحى، رئيس اتحاد طلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة حينذاك، وشهد أول مشهد تمثيلى فى مسلسل النضال المزيف لمسيرة «صباحى» السياسية، عندما وقف وهاجم مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل، التى تكللت فيما بعد بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.
الطالب حمدين صباحى الذى كان يتحدث باسم اليسار، كونه ناصرى التنظيم والهوى، قال إنه وتياره يعارض مباحثات عودة سيناء وجميع الأراضى العربية إلى حدود ما قبل نكسة 1967، وإنشاء دولة فلسطينية، فى حدود آمنة، مع الاعتراف بدولة إسرائيل، مؤكدًا أنه لابد من عودة سيناء وجميع الأراضى العربية المحتلة بالقوة، وعدم الاعتراف بإسرائيل، وهى المناقشة الجدلية التى أكسبته شهرة بين الناصريين وباقى اليسار المصرى.
استمرت مباحثات السلام بين القاهرة وتل أبيب، وتكللت بالتوقيع مساء السابع عشر من سبتمبر عام 1978 داخل البيت الأبيض، وأفضت إلى إقرار وثيقتين مهمتين:
الأولى: وثيقة وضع إطار عام غير محدد للسلام فى منطقة الشرق الأوسط، والتفاوض المباشر مع الفلسطينيين لإقامة دولة تشمل غزة والضفة الغربية إلى حدود ما قبل 1967.
الثانية: انسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من سيناء، على أن يسبق ذلك إجراء مفاوضات للوصول إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.
ورغم هذا الانتصار الكبير الذى حققه السادات لبلاده ولأمته العربية بعد انتزاعه موافقة إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل 1967، فإن سهام الشك والتخوين انطلقت من اليسار المصرى فى الداخل، والفلسطينيين وباقى العرب خارجيًا، وقرروا مقاطعة مصر.
نعم، حمدين صباحى ورفاقه من الناصريين وباقى اليسار سنّوا أسنانهم وأنيابهم لينهشوا جسد وسمعة الرئيس العربى الوحيد الذى قهر إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، وأعاد سيناء كاملة، وحصل على ضمانات استعادة الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى نكسة 1967، لإقامة دولة فلسطينية، ذات حدود آمنة، ورفعوا شعارات المزايدة الرخيصة، بأن بطل الحرب والسلام خان القضية، ولم يستمر فى النضال لتحرير كل فلسطين وطرد إسرائيل. وركب موجة رفع شعارات التخوين معظم الدول العربية، خاصة فلسطين وليبيا وسوريا والعراق واليمن، وفتحت عواصم هذه الدول أحضانها لكل الكارهين للسادات ومصر لتفريغ سمومهم فيها.
ومرت السنين، وانقشعت غمة الشعارات، وتكشفت حقيقة النضال المزيف، وعض الفلسطينيون أصابع الندم، وجروا لهثًا يحاولون تقبيل أقدام الإسرائيليين لمنحهم ولو نصف الأراضى التى كان سيعيدها السادات، ولكن ساسة تل أبيب وقادتها أعطوا لهم ظهورهم، وبعد مرور 39 عامًا، لم يستطع الفلسطينيون الحصول حتى على 5٪ من أراضيهم، وانقسموا على أنفسهم إلى دولتين، ورويدًا رويدًا تلتهم إسرائيل ما تبقى من كيان كان يسمى فلسطين، ولن تكون هناك غزة أو رام الله أو بيت لحم.
حمدين والناصريون واليسار وراء كل ما تعيش فيه مصر حاليًا من كوارث، وجعلوا من الشعارات الجوفاء، التى لا تغنى أو تسمن من جوع، دستور حياة.. تخوينًا، ورفضًا، ومعارضة من أجل المعارضة، والسير عكس اتجاه المنطق، ونثر بذور اليأس والإحباط بين العباد، وهو النضال الكارثى الذى دفعت ثمنه مصر، بدءًا بالمزايدات الرخيصة فى انتفاضة الخبز 18 و19 يناير 1977، التى كانت أكبر كارثة حلت على مصر وكبّلت انطلاقها، ودشنت للفساد بكل صوره، ونسدد الآن ثمنه غاليًا.
صباحى ورفاقه من الناصريين واليسار لم يكتفوا بتخوين السادات فقط، لكن استمر تخوينهم لمبارك، ووضعوا أيديهم فى أيدى الإخوان، ودشنوا للفوضى فى 25 يناير 2011، وهى الثورة التى دمرت مصر فعليًا، من انهيار فى كل شىء، ويكفى أن من نتائجها الكارثية بناء «سد النهضة»، وتدمير الاقتصاد، وانهيار المرافق، والأخطر تسليم مقاليد الحكم، ومقدرات البلاد لجماعات وتنظيمات إرهابية.
ولم يرتدع «صباحى» ورفاقه، إنما وظفوا أحداث مناقشة البرلمان لاتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، ليعيدوا نفس الشعارات التى رددوها فى عهد السادات، وبدأوا فى تدشين التخوين، والشتائم الوقحة لنظام «السيسى»، ونقلت كل قنوات الإخوان مؤتمر «حمدين» وهشام جنينة وكلمة عبدالمنعم أبوالفتوح على الهواء مباشرة.
نعم، قلها وبضمير مستريح، إن حمدين صباحى والناصريين وباقى اليسار عادوا من جديد لعقد الصفقات المشبوهة مع جماعة الإخوان الإرهابية، التى ينظر إليها العالم حاليًا على أنها منظمة إرهابية، لتأجيج الأوضاع، والقفز على الحكم، لتنهار من جديد البلاد، وتسقط فى مستنقع الاندثار من فوق الخريطة الجغرافية.
ويبقى السؤال: هل حمدين صباحى والناصريون واليسار، ونشطاء العار الجالسون خلف الكيبورد، ويسخفون من اسم مصر بـ«ماسر»، ويرون الشعب أنه «متخلف»، والجيش «خائن وبتاع مكرونة»، والحكومة «جاهلة»، والقضاء «فاسد»، والداخلية «قمعية»، أصدق وأكثر وطنية من كل مؤسسات الدولة، وشرفاء هذا الوطن، ومن قبلهم جيش مصر العظيم؟!
أترك الإجابة لحضراتكم أعزائى القرّاء المحترمين!