لا يمكن أن تبحث عن كلمة أقل وطأة من "البلطجة" لتصفها بها الواقعة البرلمانية المؤسفة، تلك التى شهدها مجلس النواب اليوم، والتى كان أبطالها مجموعة النواب التى تطلق على نفسها تكتل "25-30"، والذى قام نائبه أحمد الطنطاوى، بالاعتداء على الدكتور السيد الحسينى رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، واختطاف الميكروفون من يده لمنعه من الكلمة، قبل أن يحطمه أرضا فى مشهد مذهل لم يكن أحد ليتخيل أن يراه تحت قبة مجلس النواب فى يوم من الأيام.
اختطاف الميكروفون من قبل "الطنطاوى" هو بمثابة مشهد النهاية لسلسلة حلقات من الشغب المتعمد من قبل هؤلاء النواب، لاختطاف جلسات مناقشة اتفاقية الحدود المصرية السعودية فى البرلمان، على مدار اربع جلسات عقدت لمناقشتها، لم تتمكن اللجنة التشريعية فيها من الاستمرار منعقدة لعشر دقائق كاملة دون أن تتوقف مناقشاتها نتيجة شغب وبلطجة نواب تكتل "25-30".
الشغب والبلطجة على طريقة "مدرسة المشاغبين" اتخذ كل الأشكال الممكنة، والغرض واحد وهو إفساد الجلسات، بداية من افتعال المشاجرات، ومقاطعة كلمات النواب والخبراء دون أدنى سبب فى بعض الأحيان سوى إن "الكلام مش على المزاج!"، ثم الاشتباك بالأيدى مع بعض النواب الآخرين، دون حتى مراعاة فى بعض الأحيان لكون هؤلاء الآخرون نائبات سيدات!، لنجد النائب "هيثم الحريرى" يخلع الجاكيت فى مواجهة النائبة "مى محمود" وكأنه يهم بضربها، قبل أن يوقفه عدد من النواب ويمنعونه عنها، فى مشهد مؤسف لا يقبله رجال شعبنا المصرى على أنفسهم أن يحاولوا ضرب سيدة، فضلا على ألا يجب أن يقبله محب لهذه البلد أن يرى برلماننا المصرى الذى جاء بعد ثورتين نائبا يهم بأن يضرب زميلته!.
ما فعله نواب 25-30 ليس سوى استمرار لـ "سياسة الصوت العالى" التى اعتادوا على استخدامها، مستهدفين بهذا إرهاب "خصومهم" ودغدغة عواطف الجالسين على "مواقع التواصل"، وإثارة حماس "المراهقين سياسيا"، وصناعة بطولات وهمية زائفة يتفاخرون بها مع أصدقائهم من "يسار مقاهى وسط القاهرة".
حول "تكتل 25-30" ساحة من المفترض أن تكون مخصصة للنقاش والاستماع، وتكوين قناعات نواب الأمة، إلى ساعة من "بلطجة الشوارع" حينا، أو "ساحات التظاهر والهتاف" حينا آخر، والغرض واضح، لن ندع أحدا يستمع لما يقال، نريد إفساد هذه الجلسات تماما، وإخراجها بمشهد مشين.
لا مجال هنا لمحاولة الاستماع لرأى مخالف يضيق به صدرهم، أو حتى إفساح المجال لمن يريد أن يستمع ويفهم ويكون قناعة توجبها عليه مسؤوليته البرلمانية، وضميره تجاه هؤلاء الذين انتخبوه والذين يمثلهم.
نواب "25-30" ومع الأسف نجحوا فيما أرادوا، لتتصدر "الخناقات" و"أفعال البلطجة" مانشيتات الجرائد، والمواضيع الأكثر قراءة فى المواقع الإخبارية، بدلا من أن تتصدرها الآراء التى يدلى بها الخبراء، أو كلمات النواب، أو التقارير الفنية التى بذلت فيها الحكومة وممثلها الدكتور عمر مروان جهدا كبيرا لإخراجها إلى النور.
وهكذا تضحى "الديمقراطية" ضحية على يد هؤلاء الذين يتاجرون بها، لا يصبح الأمر حديثا وأخذا وردا ونقاشا للوصول للأفضل، بل يتحول إلى "كسر ميكروفونات" و"شتائم" و"خلع جاكيتات"، ومنع المخالفين من الحديث.