عندما دخل التتار بغداد فى سنة 565 ارتكبوا الكثير من الآثام التى حكت عنها كتب التاريخ، وكان ضمن ما اقترفوه قتلهم الصوفى الشاعر الصرصرى، بعدما دعاه قائدهم لملاقاته، فرفض فدخلوا عليه، فما كان منه إلا أن ألقى عليهم الحجارة والحصى، وقيل بأنه قتل أحدهم بعكازه قبل أن يستشهد.
«أَنَا الْعَبْدُ الَّذِى كَسَبَ الذُّنُوبَا/ وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِى أَنْ يَتُوبَا/ أَنَا الْعَبْدُ الَّذِى أَضْحَى حَزِينًا/ عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا»
إنه يحيى بن يوسف الأنصارى الصرصرى، المولود سنة 588 والمتوفى سنة 656 هجرية، من أهل صرصر، وهى قريبة من بغداد التى سكن بها وكان ضريراً قارئا للقرآن وعاملا به.
«أَنَا الْعَبْدُ الَّذِى سُطِرَتْ عَلَيْهِ/ صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا/ أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا/ فَمَا لِى الْآنَ لَا أُبْدِى النَّحِيبَا»
كان محبا للنبى الكريم حتى قيل إنه لم يكن هناك أحد أكثر شعراً منه فى هذا الباب، وبلغت قصائده نحو عشرين مجلداً، وكان زاهداً عابداً صبوراً قنوعاً، وكان طويل النفس فى الكتابة حتى أن له قصائد تتجاوز المئات من أبيات الشعر.
«أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِى/فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا/ أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ/ أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا»
قال عنه الذهبى «كان إليه المنتهى فى معرفة اللغة وحسن الشعر، وديوانه ومدائحه سائرة»، وقال ابن رجب: «أبوزكريا، شاعر العصر، وصاحب الديوان السائر فى الناس فى مدح النبى كان صالحاً قدوة، عظيم الاجتهاد، كثير التلاوة، عفيفاً صبوراً قنوعاً، محباً لطريقة الفقراء ومخالطتهم».
«أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا/ وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا/ أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ/ حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا»
وقال عنه ابن كثير فى البداية والنهاية: «الصرصرى المادح ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يشبه فى عصره بحسان بن ثابت، رضى الله عنه، فى ديوانه المكتوب عنه فى مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان ضرير البصر، بصير البصيرة.
«أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِى/ وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا/ أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّى/ إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّى الْخُطُوبَا»
إنه الصرصرى المحب الزاهد الذى يملك شهد الكلام فى محبة الله ورسوله.