نتائج الانتخابات البريطانية، وقبلها استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبى، والتى جاءت فيها النتائج على عكس توقعات ديفيد كاميرون، ثم تريزا ماى التى تواجه مطالب بالاستقالة، بعد أن خسر المحافظون الأغلبية وفقدوا 12 مقعدا، بينما ازدادت مقاعد العمال 50 مقعدا.
قبل شهور كانت هناك توقعات بارتفاع تريزا ماى لتصبح ثانى امرأة قوية فى أوروبا بعد المستشارة الألمانية ميركل، وتعيد مجد مارجريت تاتشر التى شغلت العالم وفرضت وجودها فى الثمانينيات، لكن واضح أن التراجع للمحافظين بدأ مع ديفيد كاميرون، ضمن موجات الصعود والهبوط السياسى للمحافظين والعمال، وهى ميزات الديمقراطيات المستقرة، صعد العمال مع تونى بلير، والذى اندفع خلف إدارة جورج دبليو بوش واليمين الأمريكى وتم غزو العراق، وشكل مقدمة لفوضى سوف تتواصل، وقد اعترف بلير أنه سار فى طريق الغزو من دون أدلة لكن لا بلير ولا بوش اعترفا بأنهما صنعا بدايات الفوضى فى الشرق الأوسط.
اللافت أن ديفيد كاميرون هو الآخر سار خلف إدارة أوباما، ودفعا للتخلص من القذافى، والدخول لمساندة المسلحين فى سوريا، ضمن موجة ثانية للفوضى انتهت بإرهاب تجاوز الإقليم إلى أوروبا والعالم، وهنا يبدو أنه بالرغم من الاختلاف بين المحافظين والعمال، أو الجمهوريين والديمقراطيين فى أمريكا، فإن المشترك هنا هو تغذية مشروعات غامضة للتغيير ظاهرها الديمقراطية وباطنها مصالح وترتيبات، لنجد أنفسنا أمام ديمقراطية مستقرة فى بريطانيا وأمريكا، تنتج تسلطا وفوضى فى العالم كلما أمكن، والرابح فى كل هذا هو صناع وتجار السلاح والخوف. وتبدو الأحوال أقرب إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية من حيث نهايات عصر وبدايات عصر آخر، لكن واضح أن الفوضى سوف تستمر لفترة من الزمن.
الشاهد أن هذا الواقع المختل والارتباك فى أوروبا وفى الشرق الأوسط يشير إلى واقع جديد لكنه لا يختلف عما هو مستقر فى هذه الدول، حيث يتداول المحافظون والعمال السلطة، أو الديمقراطيون والجمهوريون، لكن تظل سياساتهم واحدة، استمرار الصراع والخوف والفوضى، لضمان تدفق مبيعات السلاح. لم يعترف بلير بخطايا غزو العراق وأثرها على نشر الإرهاب، ولا اعترف كاميرون بخطايا إسقاط الدولة فى ليبيا، ونقل الإرهابيين إلى سوريا، وهى تحركات لا علاقة لها بالتغيير وإنما بالسلاح.
كل هذه التحولات تبدو حتى الآن ذات أثر محدود فى شكل التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات التى ترتبط بالاقتصاد والتوظيف، وليس بالحروب والفوضى.