يقال فى الأثر إن براقش كانت كلبة قوم حاصرهم الأعداء، فلما رأى القوم أن الأعداء أكثر منهم عدداً اختبأوا وتركوا القرية خاوية، لكن الكلبة براقش ظلت تعوى حتى فضحت مكان أهل القرية أمام الأعداء، فقتلوها وهزموهم.
وبالمثل فعلت قناة الجزيرة فى أهل قطر، جلبت عليهم العداء وفضحت نوايا قياداتهم الخبيثة، يمكنك تسجيل آلاف الأشرطة لنقاشات وأخبار مفبركة ودعايات لتنظيمات إرهابية مخربة من مختلف تيارات الإسلام السياسى بداية من الإخوان وحتى داعش مروراً بالقاعدة وتنظيم الدولة، لقد خالفت القناة كافة الأعراف المهنية وضللت ونشرت العديد من الأخبار المفبركة بعد أن كانت القناة الأولى عربياً لفترة طويلة، واليوم تحصد القناة الإخبارية الأسوأ على مر التاريخ ما زرعته على مدار سنوات من الكذب والخداع.
إن قناة الجزيرة هذا البوق الإعلامى الذى تسببت الصدفة وحدها فى ظهورها بهذه القوة، حيث بدأت قناة الجزيرة عام 1996 بمبلغ 150 مليون دولار منحة من أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثانى، وتزامن إنشاء الجزيرة مع إغلاق القسم العربى لتليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية بعد فشل تمويلها، فانضم للجزيرة العديد من أطقم الإعلاميين فى المحطة البريطانية، والتى كانت تحاول تكرار تجربة نجاح CNN الأمريكية، خاصة خلال تغطيتها لحرب تحرير الكويت، وما بين مستثمر ذكى ودويلة تسعى إلى دور إقليمى أكبر من حجمه، ومستعدة للمقامرة نشأت الجزيرة.
تطورت القناة وعلا صوتها فأصبحت أكبر من قناة إخبارية وأمتد نفوذها لتصبح أقرب إلى وزارة خارجية مؤثرة فى محيط إقليمى وعالمى لدولة صغيرة رشحتها قدراتها الدعائية والمالية المتنامية لأدوار أكبر مما تحتمله إمكانياتها اللوجيستية والسكانية.
وتعد قناة الجزيرة بمثابة التجربة الفريدة من نوعها، فلم يسبق أن دولة أسست بوقا دعائيا وإعلاميا، ثم تضخم هذا البوق وعلق عليه أكثر من دور تخريبى حتى التهمت القناة بلدها وجلبت عليها المصائب.
إن تطورات الأحداث خلال العقدين الماضيين فى المنطقة دفعت بالجزيرة وقطر إلى مكانة غير مبررة وغير مفهومة، إلى الحد الذى استطاعت معه قناة إعلامية فى دولة صغيرة تأجيج الصراع وهدم دول، وكلما علت وتيرة الأحداث الكبرى فى المنطقة مثل غزو العراق وأفغانستان كلما تمدد نفوذ القناة وصيتها.
لكن هذا التمدد حمل فى طياته ضعفا وهشاشة، وكان سببا لاستعداء كافة شعوب المنطقة ودولها لقناة الجزيرة ومن خلفها قطر، حتى فاجأتها أحداث الثورات العربية وانتهجت القناة خطا واضحا، وصارت عاملا من عوامل تصعيد الصراعات وأصبحت بعد تبلور تيارات القوى السياسية فى اشتباكات دائمة مع الواقع السياسى المستجد، فاقدة القدرة على الحياد المهنى التى كانت تدعيه، فانكشف تلاحمها السياسى مع سياسة الدولة القطرية وأصبحت بمعنى أصح حصان طروادة القطرى.
وبقدر ما امتلكت القناة من قوة ونفوذ وجماهيرية أصبحت قيداً وعبئاً فى صراعات الإقليم، سواء أنها كانت يد تخفى وراءها سياسات ومصالح أو مجرد محاولة لمد نفوذ إعلامى لدولة صغيرة - فى نهاية المطاف – لا تستطيع حماية هذا النفوذ، الحقيقة أن الجزيرة بقدر ما كانت صانعة للحدث باتت أيضاً كتجربة ستكون هى نفسها ضحيتها.
والحقيقة أنه بقدر ما ساهمت هذه القناة فى تخريب وقتل واستباحة دماء وتأجيج الصراع فى الفترة الأخيرة، بعد أن كانت القناة الأهم فى العالم العربى، فقد فضحت ودلت سائر شعوب المنطقة والعالم أجمع على خبث نوايا النظام الحاكم فى قطر، وضرورة ردع طموحه التخريبى فى المنطقة لتحظى بلقب القناة الأسوأ تاريخياً.