ستكون دورتنا اليوم لتغيير قناعة خاطئة تسيطر على كثير منا فى بعض الأحيان أو الظروف ألا وهى التشاؤم ليحل محلها التفاؤل.
والتفاؤل هو استشعار قدوم الخير بتحقق الأفراح والمسرات واستبعاد وقوع الأذى والمكر، وهذا الاستشعار يولد فى النفس والذات انفعالاً قويًا ينشط معه التفكير وتقوى به الإرادة وتشتد به العزيمة، ويشحن به الذهن فينتج عن ذلك تصميم وعمل فى اتجاه طلب الخير المتفائل به. إنه بمثابة الوقود الذى يحرك الإرادة.
فهو له علاقة بجميع قراراتنا فى حياتنا كلها، سواء فى العبادة وهو أن يتفاءل العبد بأن الله لن يضيع عبادته وجهده إذا أخلص لله، أو فى طلب العلم بأن الله سيرزقه العلم النافع وينفع به، وكذلك التفاؤل له علاقة فى العمل أو الوظيفة أو أى نشاط آخر؛ ولذلك فى مجتمعنا لو رأيت جميع الأشخاص الناجحين سواء فى الدين أو الدعوة أو فى التجارة أو فى أى مجال ستجد عندهم جميعًا قاسمًا مشتركًا، ألا وهو التفاؤل، ويكفى بالتفاؤل حصول الأمل الذى هو من السعادة، وكما قيل: «تفاءلوا بالخير تجدوه».
وضرب لنا القرآن أمثلة عديدة تدعو للتفاؤل كسيدنا يوسف عليه السلام الذى ثبت ولم يقنط ولم ييأس، فجاءه نصر الله وجعله على خزائن الأرض، قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، فالمسلم المتفائل لا يسمح لمسالك اليأس أن تتسلّل إلى نفسه أو تعشّش فى زوايا قلبه.
وقال سبحانه وتعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طيرة، وخيرها الفأل» قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم».، وَفِى رِوَايَة أخرى: «لا طِيَرَة، وَيُعْجِبنِى الْفَأْل: الْكَلِمَة الْحَسَنَة الْكَلِمَة الطَّيِّبَة»، وَفِى رِوَايَة: «وَأُحِبّ الْفَأْل الصَّالِح».
ولوصولنا إلى هذه الدرجة من التفاؤل والتى تساعدنا فى الانطلاق بإصرار وعزم نحو المستقبل يجب أن يكون لدينا قبل كل شىء ثقة بالله ورضا بقضائه وأن نعلم أنّه لن يصيبَنا إلا ما كتب الله لنا؛ فهو سبحانه الذى يملك كلَّ شيء، ووكذلك معرفتنا أنّ فى كلّ محنة منحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كُتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة».
وكذلك التعرف على الله عز وجل: ومدلول أسمائه وصفاته حق المعرفة؛ حتى نتمكن – واقعًا وسلوكًا لا مجرد دعوى – من إحسان الظن به سبحانه وتعالى، والاطمئنان إلى تحقق التعرف على الله.
ثم قراءة التاريخ والسير، ونطالع سِيَر الأنبياء والمصلحين، فهى تبعث على التفاؤل ورفع الروح المعنوية
ولعل من الأشياء التى تنمى وتقوى التفاؤل لدينا الواقعية والبعد عن المثالية، وأن نتقى أحاديث اليائسين ومرافقة المحبَطين
أن التفاؤل الذى نتحدّث عنه هو الذى يولّد الهمّة، ويبعث العزيمةَ، ويجدّد النشاط، فالمسلم المتفائل متوكّل على الله، وأكثر الناس نشاطًا، وأقواهم أثرًا، كلّ عسير عليه يسير، وكلّ شدّة فرجُها آتٍ وقريب، المسلم المتفائل دائمًا يتوقّع الخير، يبتسم للحياة، يحسن الظنَّ بالله، ويعلم أن الله عز وجل بيده مقادير الأمور، وهو سبحانه وتعالى الذى يكشف الضرَّ، ويجب أن يكون لدينا يقين فى أن الله عز وجل سيجعل بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وبعد الحزن سرورًا، يرجو رحمة الله جل جلاله، ويتعلّق بحبل الله المتين، وتلك ثمرة الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أفضل العبادة حسن الظن بالله»، وفى لفظ «إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله».
اللهمّ إنّا نظن بك غفراناً، وعفواً وتوفيقاً، ونصراً، وثباتاً، وتيسيراً، وسعـادةً، ورزقا، وشفاءً، وحسنَ خاتمة ٍ، وتوبةً نصوحاً.. وعتقاً من النار.. فهْب لنا مزيدًا من فضلكَ يا واسِـع الفضل والعطاء.