لم يفهم الإخوان «سر مصر» فانهزمت ثقافة اللحى والذقون وأناشيد «خيبر خيبر يا يهود»، وموسيقى دفوف الحرب، أمام ثقافة «التعايش السلمى»، ونشيد «بلادى بلادى» ولحن تسلم الأيادى، وارتفاع «علم مصر» خفاقا فى الميادين، بألوانه الأحمر والأبيض والأسود، ورسمه المصريون على وجوههم، وزينوا به ملابسهم، واحتضنوه فى قلوبهم، بينما قوبلت أعلام الإخوان الخضراء، وداعش السوداء بمشاعر الرفض والكراهية.
ثقافة مصر التى خاف المصريون عليها من الإخوان، هى عصارة وعى أدبائها العظام الذين يتجاوز عددهم سكان قطر، وعندنا أيضا احتياطى الذهب، أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم والسنباطى وعبدالمطلب ومحمد قنديل، وطابور طويل من عظماء الفن، الذين يتجاوز عددهم أعضاء الإخوان وتنظيماتهم المتطرفة.. لسنا أمة مكفهرة ولا شعبا متجهما، وكان صعبا أن تركب «تركيبة» الإخوان الانتقامية، على المزاج المصرى المتسامح.
لم تنطل مظاهر «الإسلام الشكلى» التى جاء بها الإخوان، على شعب يعشق بفطرته الأديان، وفوجئوا بـ«إسلام حقيقى» يتسلح به المصريون، ويتوافق مع تسامحهم وحضارتهم وثقافتهم، ولا يمكن أن يزايدوا عليه أو يلعبوا به، ولم ينخدع المصريون بتخاريفهم الليلية، مثل قدوم جبريل عليه السلام لصلاة الفجر فى رابعة، أو أن نبينا الكريم طلب من المعزول أن يؤمه فى الصلاة.. ولم يبتلع الطعم سوى «مخدوعين بإرادتهم»، يعرفون أنها أكاذيب ويصدقونها.
لم يفهم الإخوان «سر مصر»: «التعايش السلمى» الهادئ بين مكونات شعبها، وسعوا إلى الصراع والتقاتل وليس الانسجام والتناغم، ولم يفهموا أن هذا البلد الذى يعيش فيه 90 مليون مواطن، لا يستطيع أن يتحمل ضريبة أطماعهم فى الخلافة، فبادر بالتخلص منهم قبل أن يمزقوا نسيجه.
حسم المصريون منذ زمن قضية الوحدة الوطنية، وارتضوا أن تكون علاقتهم بشركاء الوطن الأقباط على قاعدة المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات، وكان المسمار الذى ارتد لنعش الإخوان هو محاولتهم إشعال الصراع الطائفى والانتقاص من حقوق الأقباط، وخاب سعيهم لافتعال معارك تشق وحدة الصف، وفوجئوا أن مسلمى مصر هم أول المدافعين عن الأقباط، وأن الأقباط فى وقت المحنة لم يستقووا بالخارج، وإنما بأحضان الوطن، وأصبح العدو المشترك، هو جماعة الإخوان وأهلها وعشيرتها.
وحسم المصريون منذ دخول الإسلام مصر قضية الصراع المذهبى، مسلمون تكتسى ممارستهم للشعائر بالسماحة والهدوء، وليس العنف والقسوة، ولما حاول مرسى وجماعته استنساخ الصراع السنى الشيعى فى مصر، اصطدم بحائط صد قوى، فلن تكون مصر عراقا ممزقا بين سنته وشيعته، ولن تصبح لبنان يظهر فيه محمد بديع فى هيئة حسن نصرالله، ولم يفهم الإخوان حتى الآن لماذا حققوا رقما قياسيا من الكراهية، رغم أن حكمهم لم يستمر أكثر من عام، ولا لماذا خرج المصريون بالملايين فى 30 يونيو، وهم مستعدون للتضحية بأرواحهم حتى يستردوا بلدهم، ولا لماذا كان الشعب مطمئنا لأن الجيش سوف يتدخل فى الوقت المناسب.
لم يفهم الإخوان «سر مصر»، «فى لحظات الخطر يصبح المصريون روحا واحدة فى جسد واحد»، وأنهم أصبحوا الخطر الذى يرفضه الجسد المصرى، لأنهم أرادوا أن يستبدلوا وجه مصر المتسامح بوجوههم الكئيبة، وقوتها الناعمة العامرة بالثقافة والفنون والآداب، بثقافتهم الخشنة المزودة بالدفوف والسيوف والخرطوش، أرادوا أن ينشأوا مصر إخوانية على أنقاض مصر الحقيقية، وانقلبوا من الكمون والاستكانة إلى الطغيان والجبروت، وتحول طائر النهضة الذى بشر به مرسى إلى غراب ناعق، وأصبحت أنهار العسل التى وعد بها العريان خلا وملحا، وانكشف الغطاء إيذانا بالزحف العظيم فى 30 يونيو.
غدا: إلا الجيش!