أما وقد قررنا خوض عملية الإصلاح الاقتصادى حتى آخرها، فلا بد ألا نكتفى بالإجراءات الحمائية الأخيرة للموظفين وأصحاب المعاشات ومضاعفة مبالغ الدعم المقدمة لمحدودى الدخل على البطاقات التموينية، فهذه الإجراءات الحمائية مجرد تخفيف لآثار الإصلاح على الفئات الأكثر تضررا، لكن العلاج الحقيقى يبدأ بالتوازى- وبعد قرارات الإصلاح الصعبة- بزيادة الإنتاج وفتح المجال أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة ووقف عمليات الاستيراد الاستفزازية واعتماد المنتج المصرى فى مواجهة الأجنبى والعمل على فتح مجالات وأسواق تصديرية جديدة.
نعم، كان لا بد أن تتم مراجعة منظومة الدعم الباهظة، فهى من حيث المبدأ منظومة نبيلة الهدف، تسعى لحماية الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل من ارتفاع الأسعار والخدمات فى المجتمع، لكن اللصوص والتجار الجشعين والأغنياء وغير المستحقين عموما أصبحوا المستفيد الأكبر من الدعم على حساب المواطنين الأكثر احتياجا ومحدودى الدخل، ما أدى إلى أن تتحول فاتورة الدعم- وهى بعشرات المليارات- إلى مغنم لمن لا يستحقون.
لكننا الآن- وأكثر من أى وقت مضى- بحاجة لتشغيل كل مصنع متعطل وإعادة هيكلة الشركات الكبرى كثيفة العمالة والتى تغطى مجالات استيراد أساسية، فلا مبرر أبدا أن تستغرق وزارة قطاع الأعمال شهورًا طوالًا تتجاوز السنتين لمجرد إعداد الدراسات الخاصة بإعادة الهيكلة والتطوير للشركات الكبرى المتعثرة، ولا مجال لوضع مزيد من الشروط والعراقيل أمام تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وكذا لا مجال بعد الآن للتعامل ببيروقراطية وعدم تفهم لأفكار الشباب الذين يسعون لخلق فرص تشغيل لأنفسهم من خارج الصندوق.
وإذا كان لنا أن نستفيد من تاريخنا القريب، فعلينا أن نراجع العصر الذهبى للتصنيع فى مصر، وكيف حققت البلاد فى الفترة من 1955 إلى 1960 نهضة صناعية شاملة وأعلى معدل نمو فى العالم باعتماد خطة قومية للتنمية العمرانية الشاملة، فأنشأنا أكثر من 800 مصنع وتم ربط الإنتاج الزراعى بعملية التصنيع وتوزيع المصانع على مختلف أنحاء الجمهورية مع إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وكانت النتائج مذهلة، فوثائق تلك الحقبة تشير إلى أننا حققنا زيادة الإنتاج الصناعى بمعدل %53.3، وزيادة الإنتاج الزراعى بمقدار %18، من خلال استصلاح أراضٍ جديدة وإنشاء مجتمعات عمرانية خارج وادى النيل، وفى قطاع الكهرباء زاد الإنتاج بنسبة %129، والتشييد بنسبة %97 والمواصلات بنسبة %70، والتجارة بنسبة %17.6، والإسكان بنسبة %10، والمرافق بنسبة %20 والخدمات «صحة وتعليم وخدمات ثقافية واجتماعية» بنسبة %46.
وللحديث بقية.