التخطيط الشامل، على غرار الفترة الذهبية فى الصناعة المصرية، يقتضى مجموعة من الأهداف المحددة، أولها العمل مع المجموعة الاقتصادية ووزارة التجارة والصناعة على إحياء المنتج المصرى كبديل حتمى للمستورد، وثانيها ربط التصنيع بالزراعة واحتياجات المواطنين، ولنضرب مثلًا بزيوت الطعام التى يزيد استيرادنا منه على %95 من احتياجاتنا بعد أن كنا فى فترة سابقة نغطى احتياجاتنا بالكامل ونصدر فائضًا، فعندما كنا نربط التخطيط الزراعى بأولويات التصنيع واحتياجات الناس، كنا نركز على زراعة القطن والكتان والسمسم وفول الصويا والذرة، بالإضافة إلى الزيتون فى المناطق الصحراوية من سيناء إلى الوادى الجديد ومطروح، ومن هذه المحاصيل كنا ننتج عدة أنواع من الزيوت، توفر حصة التموين بالكامل، وتغطى فائض الاستهلاك عند المواطنين ومن مخلفات النباتات وخاصة القطن نصنع علفًا للبهائم بدلًا من استيراد الذرة الصفراء بقيمة مليارى دولار سنويًا.
وثالثًا، علينا وقف مهزلة استيراد الصناعات متناهية الصغر من الصين وتركيا وغيرهما، فلماذا نستورد علب الكبريت مثلًا أو المسامير وإبر الخياطة والأقلام الجاف ودبابيس طرح السيدات وخلة الأسنان ومساطر تلاميذ التعليم الأساسى، وغيرها من مئات السلع الصغيرة التى يجب وضعها فى قوائم، وإعطاء الأولوية فى الإقراض للمصانع المصرية الخاصة التى تنتجها.
رابعًا، أوروبا والعالم سوق مهولة للمنتجات الزراعية العضوية، وأنواع الفطر مثل فطر عش الغراب، تخيلوا لو أننا لدينا مشروع قومى للزراعة العضوية، لا أقول المزارع الكبرى الخاصة، ولا مشروع المليون ونصف المليون فدان، بل كل شخص لديه قيراط أرض أو سطح منزل، يمكن أن يتحول إلى مكان صالح لزراعة أنواع معينة من المحاصيل والنباتات الطبية المطلوبة فى الأسواق العالمية، وفق شروط تحددها وزارة الزراعة وأجهزتها المعنية، على أن تتأسس شركة تسويق معتمدة، تتسلم المحاصيل من المزارعين وتجرى لها الاختبارات المعملية التى تؤكد مطابقتها للمواصفات، وتكون مهمتها التصدير لكل أنحاء العالم.
تسهيل إنشاء المصانع الصغيرة والمتوسطة لسد فجوة الاستيراد كفيل بتوفير آلاف فرص العمل، وعودة الاعتبار للمنتج المصرى، الذى يتعرض للإغراق فى بلده دون ضابط ولا رابط، وكذا نشر الوعى بالزراعة العضوية وأهميتها، والمكاسب التى يمكن أن تأتى من ورائها كفيل بإحياء الزراعة المصرية من جديد وفتح أسواق واسعة أمامها، كما يقدم مئات الآلاف من فرص العمل التقليدية وغير التقليدية للأسر المصرية.
هل يمكن أن يكون رفع الدعم عن مواد الطاقة، وما قد يصاحبها من ارتفاع فى الأسعار فرصة وتحديًا لإعادة التفكير ومراجعة نمط الاستهلاك عندنا والتوجه إلى نوع من الإنتاج المرتبط حقيقة باحتياجاتنا الأساسية؟ نتمنى والله.