اعتمد وحيد حامد فى مسلسل «الجماعة 2» على «السردية التاريخية» بحكى وقائع العلاقة بين جمال عبدالناصر وجماعة الإخوان، وذلك اعتمادا على مراجع تاريخية ومذكرات لسياسيين عاصروا هذه العلاقة، ومذكرات لقيادات من الجماعة، ولأنها «سردية تاريخية»، فمن الطبيعى أن يكون معيار الحكم على النص الدرامى هو صحة أو خطأ الوقائع التاريخية التى جاءت فى المسلسل.
وطبقا لهذا المعيار فإننا أمام واقعة انضمام عبدالناصر لـ«الجماعة» التى أثارت جدلا واسعا، وطبقا لراوية خالد محيى الدين فى مذكراته «والآن أتكلم»، فسنجد قصة انضمامه هو وجمال إليها ثم خروجهما منها لتأكدهما أن «الجماعة تستخدمنا كضباط لمصالحها الذاتية وليس لمصلحة الوطن»، ويؤكد «محيى الدين» فى ذكره لهذه المعلومة التى بدأت مرحلتها الأولى عام 1944 «كان عبدالناصر وقتها عمره 26 عاما»، أنها جاءت فى سياق «الحيرة التى تغلفنا جميعا بحثا عن طريق لنا ولمصر»، والمعروف أن «حيرة البحث عن خلاص» لمصر لدى عبدالناصر قادته إلى طرق أبواب الأحزاب والجماعات السياسية وقتئذ، ففعل ذلك مع «الوفد» و«مصر الفتاة» و«حدتو»، أى أنه لم يقتصر على جماعة الإخوان، وأخيرا انتهى به الأمر إلى صيغة «تنظيم الضباط الأحرار» الذى قام بثورة 23 يوليو 1952، غير أن المسلسل لم يقدم هذا الجانب تحديدا بالعمق الكافى، لم يقدمه بطريقة يبدو فيها أن هذا «المرور» هو تعبير عن «الحيرة»، و«البحث عن خلاص»، وانتهى كل ذلك إلى اليقين بأن كل ما هو مطروح من أحزاب وجماعات لن تقدم جديدا.
أدى هذا الخلل إلى تقديم «عبدالناصر» كما لو كان شخصية «خفيفة» فى الفترة التى سبقت حدث يوم 23 يوليو 1952، وذلك بحديثه إلى شخصيات يقابلها من جماعة الإخوان وغيرهم عن أنه يعتزم القيام بإنقلاب على الملك فاروق، وبطبيعة الحال فإن هذا السلوك يتنافى كلية مع الدقة والسرية التى يتطلبها حدث هائل مثل هذا، كما أنه يأتى على النقيض مما هو معروف عن السرية والدقة التنظيمية التى أحاطت بتكوين تنظيم الضباط الأحرار الذى قاده عبدالناصر.
أفرط المسلسل فى تقديم سيد قطب كما لو أنه «مرشد الثورة» فى مراحلها الأولى وفى مواقف مشاهد متعددة رأينا عبدالناصر وكأنه «تلميذ» أمامه، وتلك مسألة لا نعرف المرجع التاريخى الموثوق فيه الذى ذكر ذلك، وإذا كان القصد الدرامى فى هذا الجانب من السرد التاريخى هو، اعطاء رمزية للصراع بين الإخوان وثورة يوليو متمثلة فى اثنين هما»عبدالناصر» و«قطب»، وليس «عبدالناصر» و«حسن الهضيبى» على اعتبار أن «قطب»هو الباعث الحقيقى والملهم لجماعة الإخوان فى هذه المرحلة، أقول إذا كان هذا هو القصد الدرامى إلا أنه ليس من المنطقى تغوله على حقائق التاريخ التى لا تخبرنا ولا نعرف فيها، أن العلاقة بين «قطب» و«عبدالناصر» فى بداية الثورة كانت على هذا النحو الذى جاء به المسلسل «أستاذ بتلميذ»، و«مرشد بتابع» أو كانت علاقة يلجأ فيها أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو إلى قطب لحسم خلافاتهما كما جاء فى مشهد اقتراح عبدالناصر باستدعائه للاحتكام إليه فى مسألة «حل الجماعة» بعد أن تساوى عدد المصوتين.
أدى ذلك إلى اتهام المسلسل بأنه يقف عند تقديم «عبدالناصر» كشخصية «خفيفة» كما حدث فى إخباره لشخصيات بأنه سيقوم بانقلاب؟.
وغدا نواصل..