لا أحب مدرسة تجميل إلغاء الدعم، ووصفه بأنه إجراء رائع وعظيم، وفى صالح الفقراء ومحدودى الدخل والطبقة المتوسطة، فالغلاء هو الغلاء، كاللص الذى يمد يده فى جيبك فى الزحام، ويسرق فلوسك وقوت أسرتك، واللص حتى لو كان محتاجا لا يمكن تبرير فعلته، والحكومة قاسية فى اتخاذ خطوات متعاقبة، ليس بينها فاصل زمنى يسمح باستيعاب آثارها الجانبية، والنتيجة هى زيادة معدلات الشكوى وعجز طبقات كثيرة من تدبير احتياجاتها الأساسية.
إجراءات رفع الدعم التى طبقتها مصر، أحدثت ثورات واحتجاجات فى بلدان أخرى فعلت مثلها، ولكن يصبر المصريون رغم معاناتهم، لأنهم يبلعون الزلط ولا يقبلون عودة الفوضى والإخوان، وإذا ضاق العيش فيمكن شد الأحزمة، ولكن إذا ضاع الوطن، فلا عيش ولا بطون ولا أحزمة، وإذا عادت الفوضى فلن تقف البلاد على قدميها مرة أخرى، وفشلت كل دعاوى التحريض والفتن فى إحداث الفوضى التى يحلمون بها.
«التوك توك» وراء تعطيل كارت البنزين!
ابتلع المصريون إجراءات رفع الدعم، لأن معدلات الثقة فى النظام السياسى مازالت مرتفعة، وسط الكتلة المؤثرة وليس جمهور فيس بوك، الذين ضجوا لرفع سعر البنزين، مع أن غالبيتهم لا يمتلك سيارات ولا يتأثر بالبنزين، وأخذوا المسألة بغضب متسرع بعيدا عن التحليل والتفكير.
فى مصر تحصل فئات كثرة على دعم الوقود دون أن تستحقه، مثل سيارات السفارات والمدارس الخاصة والأجنبية وغيرها، وكان صعبا الآن تطبيق تجربة كارت البنزين، لأنه سوف يسحق فئات كثيرة، مثل التوك توك وسيارات النقل والجرارات الزراعية فى الأرياف، وملايين السيارات غير المرخصة، ولن يصبح من حق هؤلاء أن يحصلوا على الوقود المدعم، مما يؤدى إلى قطع أرزاق الملايين، فكان من الأفضل التراجع عن هذه الخطوة، واستبدالها بالرفع التدريجى لأسعار الوقود.
العيب فى البشر وليس الأتوبيسات والمترو!
ربما تكون الحسنة الوحيدة لرفع الدعم هى ترشيد الاستهلاك، فلا توجد دولة غير مصر والخليج، يمتلك طلبة الجامعة سيارات خاصة، وشهدنا خلال سفرنا للخارج عشرات الآلاف من الطلبة وأحيانا الأساتذة يستخدمون الدرجات، وفى معظم الدول لا يشترى الناس بالكيلو، كيلو سمك أو لحوم أو بطيخة 5 كيلو، بالواحدة أو السمكة أو قطعة بطيخ، ومفيش حكاية عشرين رغيفا بجنيه، وقد بدأ الغلاء ينعكس بالفعل على سلوكيات الناس، وتختفى تدريجيا الشراء الجنونى فى المجمعات التجارية.
أعرف زميلة محترمة تقيم فى أوروبا منذ 30 سنة، ولا تمتلك هى وزوجها وأولادها الثلاثة سوى سيارة واحدة، رغم أنهم جميعا يعملون ولهم دخل، ويوزعون السيارة بجدول عليهم طوال الأسبوع، وبقية الأيام يستخدمون المترو والمواصلات العامة، وبالطبع سوف أسمع من يقول لى أنها غير آدمية، والرد أن العيب فى البشر والسلوكيات، وليس فى الأتوبيس أو المترو.
الحمد لله رغم الغلاء ورفع الدعم فالأسواق لا تزال عامرة بالخير، صحيح أن معدلات الاستهلاك والشراء تتناقص، ولكن الأهم أن تتوافر السلع، وأن يتم تفعيل الأدوات الرقابية لمكافحة الجشع والاستغلال، بمنظوة قانونية ورقابية رادعة، بعيدا عن تصريحات المسؤولين الوهمية، بالرقابة على الأسواق، دون أن يمتلكوا أدوات الرقابة، فتتحول تصريحاتهم إلى نكتة.
هللنا للغلاء وأخفينا الإجراءات الحمائية!
اتكسفنا من الدعاية لرفع دعم البطاقات إلى خمسين جنيها للفرد، بما يعنى أن الأسرة أربعة أفراد مائتى جنيه، سكر وزيت وأرز وسلع أخرى، وأصبحت حصة الفرد الواحد على سبيل المثال تشمل، كيلو جرامين من السكر بسعر 10 جنيهات للكيلو، وكيلوجرامين من الأرز بسعر 6 جنيهات ونصف الجنيه للكيلو، وزجاجة زيت بسعر 14 جنيها، أو أى سلعة أخرى يختارها المواطن بنفس قيمة الدعم المقرر له، وإذا كانت الأسرة أكبر فاضرب فى العدد، والبطاقات تغطى ثلثى الشعب المصرى.
لم يتحدث أحد عن زيادة المرتبات والمعاشات، مثلما تم تجاهل زيادة دعم البطاقات التموينية، فالموظف زاد راتبه من 160 إلى 250 جنيها، وإذا كانت زوجته تعمل اضرب فى اتنين، أما بقية فئات المجتمع من الحرفيين والمهن الحرة وغيرها فلا خوف عليهم، ويحددون أجرهم بمحض إرداتهم وندفع لهم فى استسلام.
دواء مر يجب أن نشربه دون أن نقول إنه عصير مانجة أو فراولة، وله آثار جانبية على الفقراء قبل الأغنياء.. لم توفق الحكومة فى تسويق إجراءاتها الحمائية، أتمنى أن تكون أكثر توفيقا وتشرح للناس، ما النفع الذى يعود عليهم بعد الانتهاء من برنامج الإصلاح.
غادة عبدالرازق.. أتعاطف معها أم أجلدها؟
احترت جدا بعد اعترافها أن الفيديو المسرب صحيحا وليس مفبركا.. اختصرت الطريق واعترفت بالحقيقة، ومعنى الاعتراف الشعور بالندم، وأنها ارتكبت فعلا مشينا، ونالت أقصى عقاب من الرأى العام، ومعنى الاعتراف أيضا «توبة مش هعمل كده تانى»، لأن الفنان ليس مواطنا عاديا، وضريبة الشهرة أن يلتزم، ويسير على الصراط المستقيم.. حب الناس له ثمن، والفنان لم يعد «مشخصاتى»، يسخرون منه ويهزأون بمهنته، ولكنه نجم النجوم والقدوة والمثل.
وكان من الأفضل ألا تذكر غادة عبدالرازق، الأسباب التى أدت دون إرادتها لنشر الفيديو، مثل العلاج النفسى والمهدئات وتعب الأعصاب والحرب التى تتعرض لها، لأنها أوجاع مشتركة لملايين المصريين دون أن تكون لهم فيديوهات فضائحية.
احترمت حرص غادة على سمعة ابنتها روتانا وأحفادها «يعنى جده وتيته»، ومن فى مثل سنها يتسلحون بالوقار والاحترام.. الفن جميل ويسمو بالمشاعر ويعكس وعى الشعوب، بس كفاية لحد كده أفلام السبكى وخالد يوسف، لم يعد فى العمر بقية لمكافحة ذنوب المشاهد الساخنة واللقطات العارية، وأهى غلطة وندمانة عليها.