أعود إلى أسئلتى التى طرحتها فى مقالى يوم الأربعاء الماضى حول مسلسل «الجماعة 2»، وهى: «هل واجه جمال عبدالناصر جماعة الإخوان بالإجراءات الأمنية وفقط؟ وهل كان الصراع بينهما مجرد صراع على السلطة، أم انعكاس لتوجهات فكرية وسياسية ترتبط بموقف الطرفين من النهضة والتقدم واستقلال الإرادة الوطنية؟
اختار المسلسل فى إجابته عن السؤالين نهجا يضع فيه الإجراءات الأمنية كوسيلة وحيدة اتبعها عبدالناصر فى مواجهة الإخوان، نعم أعاد النص إحياء الكثير من الوقائع التاريخية حول إرهاب الجماعة فى هذه المرحلة وهذا يحسب له، إلا أنه فى نفس الوقت وضع كل ما كان يحدث بين الطرفين فى سياق «صراع على سلطة» وليس فى سياق «صراع بين مشروعين متضادين»، «مشروع للنهضة والتحديث»، و«مشروع للتخلف والتخريب».
غابت هذه الرؤية عن المسلسل فغاب معها الكثير، وأعتقد أن هذا الغياب كان سببا مباشرا فى بؤس وفقر بعض المشاهد الخاصة برجال الثورة ومعسكرها، أبرزها محاولة الإخوان لاغتيال جمال عبدالناصر، أثناء إلقائه لخطابه أمام عشرات الآلاف فى ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 22 أكتوبر عام 1954، وتعامله معه فى الحال بشجاعة نادرة حسمت مواقف مترددين نحو الثورة، حيث أصبحوا فى معسكرها، وذلك حسب شهادات سمعتها من البعض، ومن يعود إلى أى تسجيل للحدث سيتأكد أن الفرق شاسع بين الحقيقة وبين ما جاء فى المسلسل عنه.
هنا يأتى السؤال: لماذا تم التعامل مع هذا الحدث بهذه الخفة؟ هل هو نتيجة موقف معادى لجمال عبدالناصر؟ أم نتيجة الاعتقاد بأن كل الحكاية هى جماعة تصارع جماعة من أجل كرسى الحكم والسكن فى القصور الرئاسية؟
وفيما رأينا بؤس التعامل مع هذا الحدث العلامة فى تاريخ مصر، رأينا على النقيض مشهد السيدة «زينب الغزالى» وهى تسرد قصة تعارفها ولقاءها بحسن البنا أثناء إجابتها عن سؤال لإحدى السيدات حول هذا الموضوع، حيث أظهرها وهى تسترجع تلك اللحظات وسط هالة نورانية وموسيقى تصويرية تكاد تسرق لب المشاهد.
بؤس مشهد محاولة اغتيال جمال عبدالناصر لم يكن على حافة الرؤية التى تبناها المسلسل للصراع بين الطرفين، فهو وجه آخر لتجاهل المسلسل لخطوات ثورة 23 يوليو فى البناء والتحديث داخليا بخطوات متسارعة، وتجاهل الحديث عن معارك التحرر الوطنى التى قادها عبدالناصر عربيا وعالميا، وتجاهل موقف الثورة من القضية الفلسطينية وإسرائيل، ولا أقول ذلك من باب المطالبة بتحويل نص المسلسل إلى سرد لإنجازات الثورة، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن تجاهل أن حضور مواقف الثورة الوطنية بأى تصرف درامى، كان سيقود إلى حقيقة أن جماعة الإخوان وجدت الأرض قاحلة أمامها بسبب هذا المسار الوطنى للثورة، فالقضايا التى ألهبت النضال الوطنى منذ الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882، أصبح هناك سلطة وطنية تتصدى لتحقيقها مع انحياز أكيد للفقراء وهم غالبية الشعب المصرى، ولهذا انحازت الجماهير إلى هذه السلطة ورمزها جمال عبدالناصر، وأغلقت الباب أمام الإخوان بأفكارها وسلوكها وإرهابها.
الخلاصة أن حضور المشروع السياسى لجمال عبدالناصر على الأرض كان هو سبيل المواجهة الحقيقية لجماعة الإخوان وليس الإجراءات الأمنية وفقط، فهذا المشروع هو الذى حرمهم من الزاد الجماهيرى، وهذا هو الأصل الذى غاب عن المسلسل، بالرغم من محاولاته فضح الإخوان.