هل نجح بن لادن فى ضرب الديمقراطية الأمريكية؟ سؤال بسيط طرحته على نفسى ليلة ضرب برجى التجارة العالمية بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن واشنطن، التى كانت تتمتع دائمًا بحرية مطلقة أصبحت مقيدة الخطوات من 11 سبتمبر 2001 وهو اليوم، الذى بدأت أمريكا تتخذ إجراءات بعضها قمعى، ولكن ماهى قصة أمريكا قبل وبعد هذا اليوم وهل نجح تنظيم القاعدة ومعه أسامة بن لادن، الذى قتل على يد القوات الأمريكية بعد سنوات من أحداث 11 سبتمبر فى أن يضرب الديمقراطية الأمريكية فى مقتل؟ الإجابة ليست بسيطة، وهو ما أكدته الدراسة الخطيرة، التى قدمها الباحث محمد ضياء الدين محمد فى بحثه الرائع، الذى عمل عنوان «اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث سبتمبر»، وفيه قدم رؤية غاية الخطورة بدأها بأن الولايات المتحدة بسطت سيطرتها فى خمسة مجالات تقليدية للقوة سياسيا، اقتصاديا، عسكريا، تكنولوجيا، ثقافيا، وبذلك أصبح النموذج الأمريكى هو النموذج الأصلى الأول للدولة العالمية، فهى تمتلك القدرة على قيادة طبقة حديثة من الإمبراطورية العالمية، إمبراطورية تلقائية يخضع أعضاؤها لسلطتها طواعية.
أثبتت الولايات المتحدة قوتها فى أفغانستان وذلك بثلاثة طرق، فهى سحقت نظام طالبان فى أسابيع قليلة، بالإضافة للشبكات المسلحة لتنظيم القاعدة، التى تدعم هذا النظام، وقامت بتقييد الأمم المتحدة وتجنيد القوات البريطانية كقوات مساندة حليفة.
استطاعت الولايات المتحدة جر كل دول العالم إلى (ديناميكا العولمة) وفرضت هذه العولمة على كل العالم، خاصة العولمة الاقتصادية بالرغم من أنها تتجاهل استقلال الشعوب وتتجاهل نوعية النظم السياسية، وعلى هذا النحو يشهد العالم عهدًا جديدًا من الفتوحات كما كان الحال فى عهد الفتوحات الزستعمارى الكولونيالية، ولكن على حين أن القوى الفاعلة الرئيسية لتوسعات الفتوحات السابقة تمثلت فى دول، فإن مشروعات وتكتلات ومجموعات صناعية وممولين من القطاع الخاص هى التى تريد هذه المرة السيطرة على العالم، وتوجد هذه المجموعات بصورة رئيسية فى ثالوث الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبى، اليابان، وتقع نصف مقارها فى الولايات المتحدة الأمريكية.
إن ظهور أخطار جديدة مثل الإرهاب وصور التعصب الدينى والإثنى والانتشار النووى، الجريمة المنظمة، شبكات المافيا، والفساد الضخم، كل هذه التغيرات الهيكلية والمفاهيمية التى تفعل فعلها تحدث انهيارًا حقيقيًا للعالم فى كل من الجغرافيا والسياسية (الدولة – السلطة – الاستقلال – الحدود – الديمقراطية)، حيث إن كل هذه المفاهيم لم تعد لها نفس الدلالة لدرجة أن نكتشف بالملاحظة أن الفاعلين أنفسهم تغيروا وهؤلاء الفاعلون الدوليون، الذين تغيروا أصبحوا يعملون فى إطار كوكبى لا تحدده منظمة الأمم المتحدة، وهذه أصبحت سمة العصر بقدر ما تحدده منظمة التجارة العالمية، وذلك فى إطار الحكم العالمى الجديد.
لقد أصبح التفوق الجغرافى السياسى وممارسة القوة الفائقة فى عصر الليبرالية الجديدة هما اللذان يكفلان الرفاهية، لكنها لا تكفل مستوى كافيا من التنمية البشرية لكل المواطنين، وبهذا يظهر أن الفقر وعلى مستوى العالم هو القاعدة وأن الرفاهية هى الاستثناء، فتصير اللامساواة هى واحدة من السمات الهيكلية المميزة للعصر، وهذا ما يطرح السؤال: من الذى يسود العالم؟ وتصبح الإجابة الممكنة هى فى أن هنالك ثالوثا مزدوجًا يمسك بقيادة العالم ويعمل كنوع من السلطة التنفيذية العالمية، فعلى المستوى الجغرافى السياسى يتألف الثالوث الأول من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة (إنجلترا) وفرنسا، أما على المستوى الاقتصادى يتكون الثالوث الثانى من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، وفى الحالتين تحتل الولايات المتحدة مركزا يتمتع بسيطرة فائقة.
فى صبيحة اليوم الحادى عشر من سبتمبر 2001م أسقطت مجموعة مسلحة ثلاث طائرات مختطفة على برجى مركز التجارة العالمى رمز الرأسمالية العالمية وجزء من مبنى البنتاغون رمز القوة العسكرية الأمريكية، وقد قوبلت هذه الأعمال التفجيرية بإدانة واسعة النطاق فى مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك يخطر للمرء أن يتساءل على مدى تأثير هذه الضربة فى السياسة الأمريكية وفى السياسة الدولية.
الأسباب المباشرة للأحداث: أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الأحداث وخرج زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن موضحا الأسباب وراء هذه الأحداث ونسبها للدعم الأمريكى لإسرائيل، وأن تنظيمه مستعد لحرب استنزاف طويلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالحادث هذا لم يكن الحادث الإرهابى الأول فى العالم، لكنه انفرد بجملة من الخصائص ميزته عن غيره من الأحداث الإرهابية، التى شهدها العالم، ومن أبرز خصائص هذا الحدث الآتى: أولًا: إن الهجوم أصاب مواقع حيوية واستراتيجية أثرت على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها من الناحية الدولية وانهارت معها المزاعم الأمنية الأمريكية.
ثانيا: إن هذا الهجوم لم ينطلق من دولة معينة ولم ينفذه عدد محدد يمكن الرد عليه وإلحاق الهزيمة به.
ثالثا: إن الهجوم لم يأت من خارج الولايات المتحدة الأمريكية وإنما من داخلها وعبر مطاراتها وأجهزتها المدنية المختلفة، مما نسف قدرات الأجهزة الأمريكية.
رابعا: إن هذا الهجوم أدى إلى استنفار فى الساحة الدولية بلا استثناء للوقوف صفا واحدًا ضد الإرهابيين ومواجهة آثاره وتداعياته.
وهنالك العديد من الأسباب التى أدت إلى أحداث 11 سبتمبر وهى كالآتي:
أولا: الأسباب السياسية: سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية المطلقة على العالم، ظهور نهج استخدام القوة فى الساحة الدولية، التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، القهر السياسى الذى مارسته الولايات المتحدة على شعوب العالم الثالث وتدخلها فى رسم سياسات هذه الدول.غدا نستكمل نشر أو راق الدراسة الخطيرة عن أمريكا والديمقراطية وأحداث 11 سبتمبر.